خطاب الرئيس المصري
"
الدكتور
محمد مرسي "
وانطباعاتي ..
استوقفني خطاب الرئيس المصري " الدكتور
محمد مرسي " في مؤتمر دول عدم الانحياز
في طهران لاهمية ومكانة مصر ، وما احتواه ذلك الخطاب من شكل ومضمون لم نعتد عليه ،
ولعل أهم الامور التي شدتني له قبل محتواه ، قوته وقوة من ألقاه ، فقد جاء بعقر
دار " المذهبية
الاولى في العالم" ، وبعيدا كل
البعد عن اللغة الدبلوماسية المعهودة ، وجمله الواضحة والمباشرة ، والتي بتقديري
المتواضع قل نظيرها في مثل هذه المؤتمرات ، وهذا بكل تأكيد ما أستوقف الكثيرين
مثلي ممن تابعوه ..
ابهرتني البداية التي بدأ بها ،
خصوصا حينما بدأ بالصلاة على " النبي محمد " (ص) وعلى ال محمد ومن ثم دعاءه بالرضا
على الخلفاء الراشدين وفق ترتيبهم المعروف " أبو بكر وعمر وعثمان وعلي" ( رض ) ..
وهذا برأيي مهم جدا ، لانه يربط بشكل
رائع ما اراده وما كان يرمي " خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن
عبد العزيز" ملك المملكة العربية السعودية
الذهاب اليه من وراء دعوته الحوار الجدي للتقارب بين المذاهب الاسلامية ، وجسر
الهوة بينها ..
ولأن " ايران ما
بعد ثورة الخميني" عمليا هي صارت
حجر العثرة الكبير في طريق التقارب الطويل ، بين المسلمين ، لكونها تقوم على مذهب
" أقلوي
عنصري " أساسة الخلاف والاختلاف ،
ونواته الصلبة هي " المظلومية التاريخية " المبنية على حوادث ملفقة تم
تأريخها في فترة متأخرة من الزمن ، نقلا عن روايات وقصص تداولتها العامة من الناس
، وفيها من الخيال مافيها ، اعتماد على الذاكرة وما تحمل ، والاكيد أنها قبل طباعة
الكتاب وحتى قبل التدوين ، والاكثر تاكيدا أنها كُتبت بعد جلب عجينة وطريقة صناعة
الورق الى بغداد من بلاد الصين في بدايات القرن الهجري الثاني ..
" المظلومية التاريخية "
في الفكر الشيعي الايراني
إن المظلومية التي بُني عليها
فكر" المذهب
الشيعي الفارسي الايراني " حرفت مسار الامة الاسلامية على مر العصور ، وأدخلت المسلمين في
صراعات كبيرة لم يكن لها مبرر ، أساءت للاسلام أكثر مما خدمته ، وشوهت المعاني
السامية فيه ، نشأت في ظرف ملتبس كحالة معارضة شاذة ومرفوضة حينذاك من اكثرية
المسلمين ، فاذا لم تكن مقبولة في الماضي ، وكانت كذلك ، فكيف لنا قبولها في زمننا
الحاضر ..!؟
إن قبولها كإرث أو ميراث تاريخي
حضاري ثقافي أمر لا يستوى مع تفكير العقلاء ، لعدم المعرفة الكافية عن ما حدث ،
ولما أدت اليه تفاعلاتها فيما بين المسلمين ، وانحراف قسم منهم عن مسيرة الحضارة
الاسلامية ، وانتهاجهم نهجاً مغايرا ومتميزا كنوع من رد الفعل العاطفي ، وربما
العند واحتقار الاخر ، أدى بهم الى ابتداع واضافة ركن اسلامي سادس على الاركان
المعتمدة تحت اسم "الامامة " واعتبروه ربما الاهم ، على خلاف ما تراه الاكثرية من المسلمين في
أرجاء العالم ..
ولكون المظلومية أعتمدت على فرضية
خاطئة تفتقد لاساس قوي يمكن الاعتماد عليه ، ولعدم ورود ما يدعمها من نصوص قرانية
أو أحاديث شريفة صحيحة ، فالنتيجة ستكون خاطئة بالقطع ..
والفرضية التي تم الاعتماد عليها
تعتبر أن القيادة السياسية للامة الاسلامية سُرقت لا بل أُغتصبت ، وتولاها ما لا
يحق له ذلك ، ومن لا يستحقها ، وهي فيما يدعون محصورة بين " علي وفاطمة " ( رض ) ، وأبنائهما ، ويجب أن لا تخرج عن
دائرة صلب الرسول الكريم (ص)، ولا نقول بيت الرسول أو ال الرسول
والا أين ترتيب " فاطة الزهراء "( رض ) ومن بعدها ابنتها " زينب " ( رض ) من الائمة ..!!؟
لذلك ما تعنيه هم أبناءه الذكور فقط
، وهذا الامر على عدم امكانية القطع به ، والتثبت من صحته ، لم يكن موجود لكون
" الرسول
الاعظم "(ص) لم يأتيه احفاد من ابن ذكر جاء من
صلبه على قاعدة " التراتبية الاثنا عشرية " للائمة ، أما احفاده " الحسن
والحسين " (رض) فقد جاءا من ابنته الانثى على الرغم
من عظم شأنها ومكانتها وقداستها الا أنها تبقى مرتبطة ببعلها" علي بن أبي
طالب " ( رض ) ، ، ونسبهم له ، وهي في كل الاحوال مكان حاضن لنسله
وليست أصل النسل ، وما ولدته فمرده له ، وهو من صلبه ونسله ، وهذا ما هو معروف
ومعتمد ومتوارث ماضيا وحاضرا ، وما ثبتت صحته علميا أيضا .
الا أن اليهود على سبيل المثال ممن
لا يعتبرون هذه القاعدة صحيحة ، بل يعتبرون أن من كانت امه يهودية فهو يهودي ، ومن
أي ملة أو دين جاء ابوه لايهم ، ويلتقى معهم في هذا الامر " أصحاب
الديانة المجوسية التي كانت قائمة في بلاد فارس" ، ويعتبرون أيضا من كانت أمه مجوسية فهو مجوسي ، ولعل هذا الامر
يفسر تمسك اخواننا الشيعة الفرس بأبناء الإمام " الحسين بن علي بن أبي طالب " ( رض ) حصرا ، على اعتبار أن والدتهم أميرة
فارسية وهي السيّدة" شهربانو بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى ملك
الفرس ، ولقبها شاه زنان " ومعناه ملكة النساء ، والسيّدة شهربانو هي جدّة ثمان من الأئمّة الاثنا عشر المعتمدين ، بالتالي أولادها هم فرس وما يعتقده الفرس المتأثرين بالمجوسية لا يتفقون معنا بأن الاصل مرده الذكر وليس الانثى ..
اذا المظلومية التي ساقت الى كره
ثقافي منهجي متعمد للخليفه الراشد الاول والثاني ، بعدما وضِعت له قواعد أساسها
السب والشتم والقذف بحقهما ، كنوع من التكليف الشرعي بقصد التقرب لله ، ما كانت
لتظهر على السطح وتصبح مسألة خلافية لولا الفهم الخاطئ عن استيلاء متعمد للخلافة ،
وهدر مقصود لحق أصحاب الحق ..
" المظلومية التاريخية "
وما اراد قوله فيها الرئيس المصري
اعادة النظر فيها من جديد واجب مقدس
، وفق رؤية عصرية ملاءمة ، إن لم يكن هناك قدرة للعمل الجاد على ازالتها بالكامل
في هذا الظرف ، وهذا ربما ما اراد " الدكتور محمد مرسي " من التلميح له في غياب
امكانية التصريح به ، وتنبيه المتبنين لهذا الفكر ، والتأكيد لهم على حقيقة أن
الظلم ينتهي مفعوله مع زوال الظالم والمظلوم على فرض صحة ما يزعمون ، وتأكدهم من
حدوثه ، وهذا بالقطع من المتعذر لا بل المستحيل التسليم به أو حتى التثبت منه ،
لذلك كانني فهمته يقول بانه الاجدى بنا ترك الماضي ماضياً ، ونسيان أو ترك الحوادث
التاريخية فيما يخص مسألة المظلومية والجدال في حقيقة كل من الظالم والمظلوم ،
وترك الجميع لعدالة وحساب رب العالمين ، تيمننا والتزاما بالاية الكريمة من سورة
البقرة " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا
كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ " اية 141 صدق الله العظيم
" الدكتور محمد مرسي " قالها تلميحا بأنه لا بد من
العمل على ازالة فكرة المظلومية من فكرنا الاسلامي كي لا نقع في الظلم ،وعن غير
قصد وربما جهل فنظلم المظلوم مرة اخرى فوق ظلمه ، خصوصا بعدما اتضح أمر هذه
المظلومية المريب في الثورة السورية بعد معرفة من هو الظالم ومن هو المظلوم ،
الشعب السوري ام السلطة الحاكمة التي تقصف المدن وتدمر البيوت على اصحابها ..!!؟
ان تبني المظلومية اليوم تعني بشكل
أو باخر وتشير الى ظالم مفترض يعيش في عصرنا ، وموجود بين ظهرانينا ، يجب الاقتصاص
منه ، والانتصار للمظلوم المفترض ، وهو بطبيعة الحال ليس روسي ولا صيني ، والاكيد
أنه ليس بوذي المعتقد ولا هندوسي ، والاكثر تأكيد لنا وربما المتيقنين منه أنه لا
يدين بالمسيحية ولا اليهودية ، اذا من يكون ياترى ..!!؟
من هنا أرى أن مضمون الخطاب هو بداية
واضحة يمكن عليها بناء ملامح المستقبل الذي تتطلع اليه كل الشعوب الاسلامية ، بلا
مذهبية ، ولا طائفية ، بشرط صفاء النية من الطرف الايراني ..
" خطاب الرئيس المصري "
والشروط الموضوعية لنجاح التقارب بين
ايران والعرب
لقد حمل الخطاب رسالية ضمنية لا بد
وان الايرانين فهموها جيدا ، وأرسلت معها اشارة باتجاه محدد التقطوها تقول : أيها
القائمون على السياسة الايرانية ، يا حكام ايران المحترمين أنتم إن لم تقبلوا ما
نطرح ، فأنتم في واقع الامر تضعون بلا مبرر العصي المختلفة والمتنوعة في دواليب
عجلة التقارب فيما بيننا ، وهذا أمر غير مقبول مهما كانت تلك العصي أو بعضها ضعيف
واعتبرتم أن لا قيمة لها تذكر ، وأن هناك معوقات كبيرة لمثل هذا التقارب يجب أن لا
ننساها ، لعل من أهمها كما تعلمون احتلالكم للاراضي العربية ، سواء كانت الارض
العربستانية " الاحواز " أو الجزر الاماراتية الثلاث
..
ثم توقفكم الفعلي لكل التدخلات التي
تنطلق من اسس مذهبية أو طائفية في منطقتنا العربية ، واذا كان ولا بد لكم مشاركتنا
في تبني قضيتنا الاولى ، قضية فلسطين واعتبارها قضية دينية اسلامية ، من منطلق
الاخوة الاسلامية أو ربما السياسي بحكم الجيرة والجوار ، فليكن هذا التبني
بالتنسيق مع الدول العربية المعنية ، وليس بمعزل عنها ، وعدم الانفراد والتوقف عن
المزايدات الاعلامية والشعاراتية ، بقصد التجييش ، واللعب على العواطف المرتبطة
بهذه القضية ..
" ما كنت أتمنى أن يقوله الرئيس المصري
للايرانيين "
ولو لم يكن بالعلن
ازالة بناء قبر أبو لؤلوة المجوسي ،
قاتل الخليفة الثاني " عمر بن الخطاب " (رض) وتسويته بالارض والتراجع عن اعتباره
مزارا ومقاما مقدسا للبعض ..
" ما كنت أرغب أن يقوله الرئيس المصري بشكل
مباشر "
اوقفوا الدعم الاعمى والغير مبرر
للسلطة القاتلة في سوريا ، سواء كان هذا الدعم مادي أم معنوي ، فمصالحكم محفوضة
برغبة شعوبنا وارادتها وليس بارادة نظمها فقط ..
" ما كنت أرغب أن يقوله الرئيس المصري أمام
دول عدم الانحياز "
لا نريد أن نغض الطرف عن حقيقة
تخوفكم المبني على ارث متوارث دفين عشعش في نفوس أسلافكم وتناقلتموه جيل بعد جيل
من أبتلاع الاكثرية من المسلمين لكم لو تعاونتم او تقاربتم معهم ، ونحن هنا وأمام
العالم نقول لكم نريدكم أن تفهمونا بشكل صحيح بأننا أخوة دين لا فرق بيننا ، علينا
مهمة كبيرة مشتركة وفيها مسئولية يجب حملها معا وهي المساهمة الفعالة في بناء
الحضارة الانسانية ، وليس فتح أبواب الخلافات الهامشية التي لا داعي ولا جدوى من
فتحها على الاطلاق .