الأربعاء، يناير 09، 2013

نعم لقد انتصر الشعب السوري


نعم
لقد أنتصر الشعب السوري
 


بكل تأكيد لم يكن الهدف الأساسي من عملية إخماد الثورة وسحق الثائرين في سوريا من قبل الديكتاتور المعتوه  واستخدامه شتى أنواع الأسلحة الثقيلة هو قتل آلاف الأشخاص ، بقدر ما كان الهدف هو قتل الأمل في نفوس ملايين السوريين الطامحين والساعين إلى حياة حرة كريمة ومستقبل أكثر إشراقاً بعيداً عن العبودية القميئة وتقديس القائد الإله والأبدي ، والامتنان لمكرماته ..
لقد تأكد لنا وبتنا على يقين من أن التدمير الوحشي لسوريتنا الجميلة بمدنها العتيقة والعريقة ، وقراها الجميلة والوادعة ، عقابا أنزله " الديكتاتور المعتوه "  على من تجرأ على الاقتراب من الهالة المقدسة التي أحاط نفسه بها من خلال مؤسساته الأمنية الإجرامية المرعبة التي جسدته كإله ..

السؤال هنا .. أليس كفرا وإلحاداً ، وخروجا عن ما رُتب لك ، أن تشكك بالنظام الإلهي التابع لآل الأسد ..!?
 أليس غريبا أن يكون لك رأي مغاير لما يقره القائد الإله ، أليس هذا هو الشطط ، والخروج عن المألوف بعينه .. ؟!
ألن يحل غضب السماء لو فكرت بشرعية القائد الإله ..!?
فهذا الديكتاتور المعتوه  أراد من خلال هذا التدمير والقتل لآلاف الأبرياء من السوريين تسويق صورته وإظهارها ، وكأنها عقاب إلهي لأولئك الذين طالبوا بالحرية التي تتوق إليها النفس البشرية المستعبدة ، خصوصا منها التي عاشت سنوات طويلة في القهر والذل الممنهج ، فغدت متعطشة لحياة حرة كريمة من خلال نظام ديمقراطي حقيقي ، ربما لاحظته قد تحقّق في بلدان كثيرة ..

لقد أراد الديكتاتور المعتوه  ومن خلال منظومته الأمنية القمعية التي وضع قواعدها والده المدفون في مقابر التاريخ الأسود " حافظ الأسد " ، والتي تطورت خلال عشرات السنين ، بث شعور في الناس باستحالة التفلت من هذا النظام الإلهي التابع لآل الأسد ، وأن هؤلاء " المعاتيه التابعين لآل الأسد  "  قدر ، وبالتالي حصول أي عملية تغيير في الحكم أو في المعادلة السياسية هي عملية لا أهمية لها ولا معنى لها ، لطالما دأب على تسويق فكرة أنه لا يوجد نظام بديل أفضل منه في هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة .. !

ضن " الديكتاتور المعتوه "  ورئيس النظام ، بأنه ونظامه يستطيعان أن يخلقا إحساساً في قلوب ملايين السوريين بأنّ عملية التغيير القادمة هي عملية عبثية ،  وأنها عبارة عن كلام فارغ ومضيعة للوقت ، وأن أي قادم جديد وبهذه الإمكانات المتوفرة في البلد لن يستطيع أن يحمل أكثر مما يحمله هو ..
لقد دأب النظام على تخويف الناس بأن عامل الاستقرار الذي نعمت به سوريا لسنوات طويلة هو صنيعة وفضل هذا النظام، وان هذا العامل " عامل الأمان " هو الأكثر أهمية من أي عوامل أخرى كالعامل الاقتصادي وخنق الحريات وتضيق القبضة الأمنية ، وهو الأكثر تعرضا للتهديد في ظل الظروف التي صاحبت البلدان التي شهدت وتشهد ربيعا عربيا..
 فسوّقت أبواقه الإعلامية الصدئة للناس فكرة أن " الأمان " أهم من رغيف الخبز، فكل شيء يستطيع الإنسان الاستغناء عنه إلا الأمان ، وأن ملاحقة النشطاء من المعارضين وسجنهم ونفيهم وتصفيتهم هي عبارة عن عمليات فردية ضد أشخاص يهددون أمن الدولة ، ويرتبطون بأجندات خارجية ، وليست نهجاً لنظامٍ أخذ على عاتقه مهمة تحرير الأرض المغتصبة ، وقيادة محور المقاومة والممانعة في وجه الأطماع الغربية والصهيونية..
فراح يُخيف الناس من " الفوضى " التي قد تتزامن مع أي عملية تغيير للنظام أو انتقال للسلطة ، لذا شهدت الشهور الأولى للحراك الثوري السلمي عمليات نهب وسرقة وخطف ممنهجة ، ونسب جميع هذه الحوادث للمطالبين بالتغيير وحمّلهم المسؤولية ، معتقدا أنه بهذا الشكل سيخيف الشعب وسيتمنى بقاء " القائد الإله " الذي شيّد للشعب هذا الوطن ، ورسّخ هذا الاستقرار ، وزرع الأمان والاطمئنان في ربوع سوريا ، ثم سّير آلاف من موظفي الدولة في مسيّرات يومية تمجد اسم " القائد الإله " وتفديه بالروح والدم ، وراح يتباهى بهذه المسيرات أمام وسائل الإعلام ويتذاكى على الشعب ، في الوقت الذي أصبح هذا النظام أضحوكة وألعوبة بيد الدول..
وعندما فشلت محاولات مجرمي النظام في إيقاف المظاهرات والاحتجاجات والمطالبة بالتغيير والإصلاح، لجئوا إلى الحل العسكري ، فأطلقت عصابات وشبيحة النظام  النار على المتظاهرين في محاولة يائسة لبث شعور الخوف في قلب من سيتجرأ على معاودة الخروج مرة أخرى ، في الوقت ذاته أطلق رئيس النظام " الديكتاتور المعتوه " عشرات القوانين في غضون أيام لكي يقطع حجة من يطالب بالإصلاح ، متذاكيا على شعب قمعه أربعين عاما.
عشرات السنوات لم تكن كافية ، ولم يجد فيها الوقت الكافي لكي يقدم قانوناً إصلاحياً واحداً ، ليأتي الآن في أيام معدودة ويطرح عشرات القوانين والمراسيم ، وإصدار عفو عام بين الحين والآخر عن المساجين والمعتقلين ، لا بل كتب دستوراً جديداً للبلاد ، وأنهاه في ساعات معدودة ، وطرحه على شبيحته للتصويت لتكون نسبة التصويت كالعادة لصالحه ، متخبطاً في الوقت ذاته بتغييره الحكومات ، والوزراء ومجلس الدمى المتحركة ، أو " مجلس الشغب السوري " الذي كانت مهمته على الدوام التصفيق لكل نكتة ساذجة يتفوه بها " الديكتاتور الإله " في خطاباته التي تعودنا فيها سماع قهقهته متعالياً مستخّفاً ، ليعقب كل قهقهة هتاف وفداء بالروح والدم من قبل مجلس العبيد ، ذلك المجلس بجبهته الوطنية التقدمية ، وقائمة ظلّه الذي كان على الدوام أضحوكة وسخرية الشعب ..   
عندما باءت جميع محاولات النظام بالفشل في احتواء المظاهرات التي كانت سلمية لشهور عديدة، لجأ إلى عسكرة الحراك ، معتقداً أنه سيسحق الثورة من خلال آلته العسكرية الضخمة في أيام معدودة ..
ولكي يعطي لنفسه المبرّر للحل العسكري صوّر من طالبه بالحرية والتغيير كإرهابيين سلفيين يحملون أفكار الكراهية وإقصاء الآخر، وأدواتهم للمطالبة بالحرية هي السلاح والتفجيرات والقتل، وكأن أربعين عاما حكم فيها  " الحزب القائد للدولة والمجتمع " حملت التعددية ومشاركة الآخر بالحياة السياسية ، وكأنه هو نفسه عرف الديمقراطية يوما ، وكأنه وصل للحكم بديمقراطية منتخبة ، وكأن شبيحته لم تقتل وتفجر وتعتدي وتغتصب وتعتقل وتقطع الرؤوس ..!
ثم بدأت كتائبه باقتحام الأحياء والقرى واعتقال الشباب من تجاوزت أعمارهم الخامسة عشرة ، وحرق منازل النشطاء والمنشقين ، معتقدا انه انتصر وأخضع الشعب ، ولكنه على العكس ، لم يكن يدري بعد أن حاجز الخوف قد كُسر ، وأن سنوات العبودية قد ولت دون رجعة ، وليبدأ الشعب بالدفاع عن نفسه ويحمل السلاح الذي أدخله النظام بنفسه عبر سنوات طويلة من فساد مدراء وعناصر الجمارك ومخابرات الحدود التي ارتشت واغتنت وبنت القصور والقلاع من خلال الأموال التي كانوا يقبضوها من تجار السلاح والمخدرات ، ناهيك عن أن قسماً كبيراً من رؤساء أجهزة فروع الجمارك والمخابرات هم تجار أسلحة ومخدرات ، وميناء اللاذقية وطرطوس المصدر الأكبر الذي يتم عبره إدخال الأسلحة والمخدرات ..
لقد بات خيار المقاومة المسلّحة كان الخيار الوحيد المتبقي لصد النظام المستبد في ظل عجز دولي واضح عن استصدار أي قانون ، لا بل تكونت قناعة لدى الشعب أن من يحمي النظام هي إسرائيل نفسها ، فهي لا تريد تغييره ولا تريد لأحد أن يزعزع أمن حدودها الشمالية ، وتم توزيع الأدوار في المجتمع الدولي فكل طرف يؤدي دوره تاركا الشعب السوري يُذبح ويُهجر ويُشرد ..
بينما في ليبيا تم استصدار القرار خلال الأيام الأولى للثورة الليبية التي لم يجد فيها ألقذافي الوقت ليعي ما يجري حوله ..!
لم يعترف النظام السوري في يوم من الأيام بوجود تنظيمات مسلحة تكفيرية ، وقد صرّح الديكتاتور على الدوام في خطاباته ولقاءاته الصحفية بأنها خدعة أمريكية غربية لتبرير الاحتلال والتدخل والسيطرة على مقدرات الشعوب ، ولكن عندما ثار الشعب في سوريا أصبح من يقود الثورة والحراك هم سلفيون وإخوان وتنظيمات تكفيرية ومتطرفة تحمل السلاح وتدعو للجهاد معتمدة أيديولوجية دينية ..!
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو :
حتى لو وجد متطرفون وتكفيريون ، أليس حزب البعث نفسه حزباً متطرفا متعصبا شوفيني يُقصي الآخر  ، لا أقصى كل عمل سياسي ونصّب نفسه الحزب القائد للدولة والمجتمع ..!؟
ألم يفرض حزب البعث ثقافته وأفكاره بالقوة ..!؟
ألم يقصي من اختلف معه عن الحياة السياسية وغيبه في ظلمات السجون وقتله ..!؟
ألا يحمل البعث إيديولوجية تدعو لحمل السلاح لاسترداد الحق ..!؟
ألم يتبنى البعث  " كأيديولوجية " العمل المسلح طريقا وخيارا وحيدا لنهجه ..!؟
فما الفرق إذاً بين حزب البعث وبين التنظيمات الجهادية التي يسوق لها النظام بأنها هي البديل وهي من تقود الثورة ويخيف بها الشعب الطامح للديمقراطية والعدالة والحرية والمساواة ..!
البعث حارب الشعب بلقمة عيشه ، فلا يمكن لأحد أن يوظف إن لم يكن بعثيا ، فلا يوجد مدير مؤسسة أو مستخدم غير بعثي ، ولكي يوظف المدرس أو المهندس أو الحقوقي أو الاقتصادي أو الممرض أو حتى حفار القبور  أو زبال الشوارع  فهو بحاجة لأن تكون بعثيا ولموافقة أمنية تُثبت ذلك ...
ويحدثك البعث طوال أربعين عاما عن محاربته للعنصرية والتطرف والنضال من أجل الحرية ونيل الحقوق وتقديس الحريات وحق الاجتماع والاعتقاد ..!
إذاً ماذا يختلف التطرف القومي الشوفيني الذي حمله البعث عن التطرف الديني أو العرقي أو أي تطرف آخر ..!؟
لقد أظهرت الثورة في سوريا للعالم الوجه الحقيقي لحزب البعث ، فهو الحزب الأكثر تطرفا وفاشيةً من أي حزب استلم زمام الأمور والحكم في البلدان التي حكمتها أعتى الديكتاتوريات في التاريخ .
لم يكتب التاريخ في يوم من الأيام فظاعة ما يمكن أن يرتكبه نظام حاكم بحق شعبه مثلما فعله في سوريا..!!
لقد صدّع رأسنا بالمقاومة والممانعة ، وبأنه حامل هموم الأمة العربية وأنه المقاوم الوحيد للامبريالية وأن كل ما يجري في العالم لأي مطالب بالحرية هي مؤامرات تحاك من قبل الغرب هدفها الوصول لسوريا الدور ، ومحاولة للنيل من صموده ومقاومته ، لكنه في الوقت ذاته جعل حياة السوري جحيما لا يطاق.
لقد كانت مجموعاته الإرهابية المسلحة " عناصر الفروع الأمنية المختلفة " لمدة أربعين عاما تتسلط على المواطنين وترهبهم ، يدخلون المطاعم والنوادي متسلطين على أصحابها ، يبتزون أصحاب المحال التجارية ، ولا يمكن أن تتخيل أنهم قد يعتقوا أحدا دون دفع المعلوم..
لعب علينا ..وصوّر نفسه  المدافع الوحيد عن القضية الفلسطينية ، فراح يعدد انتصاراته على العدو الإسرائيلي وأن إسرائيل هي العدو الوحيد الذي قتل الشعب العربي ، وارتكب المجازر المروعة بحق أبناءه ، في الوقت الذي باع فيه نظام " المقاومة والممانعة " الجولان متذاكيا على الشعب الذي أخضعه بوحشية وبطش.
والآن هو يدمر المدن ويمحو قرى بأكملها عن الوجود مرتكبا مجازر مروعة ، ربما إسرائيل نفسها لم تقتل وتهجّر من الشعب الفلسطيني خلال أكثر من ستين عاما على وجودها ما قتله وهجّره من الشعب السوري خلال هذه الثورة ، وليكون رغيف الخبز واسطوانة الغاز لمن بقي تحت القصف أقصى ما يمكن للسوري أن يتمناه ويحلم به.
كل ذلك بحجة وجود مجموعات إرهابية متطرفة ..!!
نعم .. لقد أصبح جميع أفراد الشعب الآن " جبهة النصرة "  بما فيهم الأطفال والنساء والشيوخ الذين ذبحهم شبيحته بالسكاكين والسواطير . 
لم تكن الثورة في سوريا مسلحة والجيش لم يكن معنيا بما يجري ، فالأمور في البداية كانت بسيطة والمطالب سلمية ، وأغلب المظاهرات كانت عبارة عن أغاني ودبكات ونكات ، ولم يكن لأكثر المتشائمين من التغيير أن يتوقع كل هذا الإجرام والقتل والتهجير والنزوح والاعتقال ، فأن يصل الجنون بهذا النظام لاستخدام الدبابات والمدفعية والطيران ، والآن صورايخ إستراتيجية لقصف المدن والقرى بهذه الوحشية ، ومن رئيس شاب طبيب درس في لندن توقعه الجميع أن يكون ذكيا وأن يلعب دورا ايجابيا في تمهيده لطريقة نقل السلطة ، ويكون وطنيا بما يكفي حتى يتلافى البلد ليس فقط الكارثة التي حلت به الآن ، بل كان بالإمكان تلافي أخطاء البلدان التي شهدت ربيعا عربيا ، لكنه خيب ظن كل سوري ، وانهارت الدولة قبل انهيار النظام ، وانهيار الدولة أخطر من انهيار النظام ، وتم تدمير البنية التحتية للبلد ، لقد حرق الورش والمصانع والأراضي والمواسم ، ليتم التهجير والنزوح من أغلب المحافظات السورية ، ويصيب الفقر المدقع جميع أفراد الشعب.
 بعد أن كان الشعب السوري يقدم مساعدات لدول الجوار ويقدم لهم الدواء والماء والكهرباء والوقود والغذاء ، فقد أصبح السوري العزيز النفس ، والأبي يستعطف العالم لإعطائه رغيف خبز يسد به رمق أطفاله ، بين ليلة وضحاها ، وبغباء هذا النظام الوحشي البربري حول الشعب السوري من مستقبل للاجئين من دول الجوار إلى مشردٍ نازحٍ يعيش تحت الخيام في ظروف مناخية تقتل أشرس الكائنات الحية .
أخيرا قد تشهد سوريا في الأيام المقبلة وحتى الأشهر المقبلة المزيد من سوء الأوضاع الإنسانية والمزيد من المجازر ، ولكن في النهاية سينتصر الشعب السوري ، وسيسجل التاريخ أعظم انتصار يمكن لشعب أن يحققه عبر التاريخ ..
شعبٌ ناضل في سبيل الحرية ، شعب وقف عاريا في وجه آلة الموت والقتل وتحدى البرد والجوع والمرض .
نعم انتصر الشعب السوري لذاته من ظلم الظروف ولعبة المصالح ومن " ديكتاتور معتوه "   ، وانتصر لأجيال المستقبل ، وانتصر لأرواح آلاف الشهداء الذين قدموا أنفسهم قرابين على مذبح الحرية  في سبيل سوريا حرة واحدة أبية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري يدرك أن " نظامه الاسد الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن الذي تبقى منه فعليا...