ربما كنت ممن لم يتفاءلوا كثيرا في الحوار الديكوري لـسلطة " آل الأسد " الحاكمة ، وربما زاد تشاؤمي أكثر بعدما بدا لنا ذاك العتيق المهترئ في قيمه ومبادئة قبل السياسة والانتماء ، عجوز السلطة الحاكمة في سوريا ، صاحب مسمى ، أو صفة نائب الرئيس ، الذي يؤسفنا نحن في حوران أن يكون ابن مدينتنا الصامدة والابية درعا ...
لقد حاولت شياطين السلطة الحاكمة ودهاقنتها اظهاره كما لو كان واحد من رجال " الحل والعقد في البلد الذين يمكن التعويل عليهم " والذين لهم وزنا في الداخل السوري بالقدر الذي يؤهلهم القيام بدور ما ربما يؤدي في النهاية الى تهدئة الشعب الثائر على الاذلال والاحتقار والمهانة التي طالت كرامته ، والمطالب بالحرية ، والساخط على السلطه اللاشرعية والساقطة لعائلة الاسد ، واقناعة بعد كل هذه الخسائر العودة الى بيته ، بلا غالب ولا مغلوب ، وكأنما شيئا لم يحصل .
انه " فاروق الشرع " .. ذلك الحوراني المتمدن والمنسلخ عن أرضة وشعبه ، الذي نستشعر من مسيرته السياسية تنكره لأصله وجذوره ، وربما تنصله من العادات والتقاليد والأعراف التي يفتخر بها شعب حوران .
" فاروق الشرع " .. الذي رضي وقبل على مدى الفترة الماضية أن يلعب دور العطار البائس ، الذي ما فتئ يسعى بجد في اصلاح ما افسده دهر سوريا في ما مضى من حقبة " آل الاسد " ، لقد لملم وغطي زور كثيراً ، وربما دلس ، كذب علينا ولم يصدق معنا ، تستر من حيث يعلم أو لا يعلم على فضائح وموبقات وخطايا السلطة ، وكان الملمع الصادق والأمين لصورتها البشعة أمام العالم ، منذ أيام مؤسسها المجرم القاتل وحتى عهد ورثته المعاتيه ، وما حولهما من أفراد العائلة الحاكمة وأقربائهم والمحسوبين عليها وعليهم ، بالاضافة للانتهازيين والوصوليين من لمم المنطقة وحثالات العالم ....
فحين ظهر في اللقاء أو المؤتمر او الملتقى ، لا ادري ما تسميته الفعلية ، تساءلت هل سيبقى هذا " المعلول" وعجوز السلطة المهترئ موالياً ، وداعما بلا بصر ولا بصيرة لنهج " آل الأسد " أم أنه سينحاز يوما ما للبلد وشعبه ..!؟
هذا السؤال جال في خاطري ، وكان من جملة أسئلة وتداعيات في لحظة أمل قصيرة ، لكنها تلاشت بسرعه ، وقفزت مكانها الإجابة المنطقية المتوقعة ، انطلاقاً من معرفتي اليقينية بان " قراد البهائم" أجلكم الله ، يبقى في المؤخرة ، وتحت الذيل ممسكا ومتمسكا بهذه البيئة التي اعتاد عليها ، والتي قد لا يستطيع العيش بعيد عنها ، وهو على مايبدو كذلك ، يقتات على الدم ، ولو كان كانت البهيمة مريضة أو هزيلة ، أو أن دمها فاسد ، والاكيد الاكيد أن برازها الذي عادة ما يتساقط عليه لا يضيره ولو زاد مرة أو خف عنه مرة اخرى ، للأسف يبقى على هذه الحالة حتى تسقط البهيمة وتموت ، فينتهي ويموت وتنتهي دورة حياته ..
اما الخلفية للسؤال السابق فقد تكون مجيبة لثلاث أرباع الإجابة الصحيحة ، الا اذا تطور " قراد البهائم " وخرج عن طبيعته وتمكن من العيش في بيئة اخرى ..!
لقد ظهر عتيق السياسة السوري " فاروق الشرع " بعد غياب طويل وصمت مريب وغير مبرر الا الخوف المحيط بظرفة والذي قد نكون من الجاهلين به ، ولا ندري في الاصل سببه أهو الغياب أو التغيب ، وهل هو طوعي أم قسري ..؟
غيابه عن الساحتين السياسية والإعلامية دام أشهر جرى فيها ما جرى من قمع وقتل وتدمير وتنكيل طال كل أطياف وطوائف شعبنا السوري ، ومن قبل سلطته الحاكمة التي خبرها بشكل جيد ، يعلم هو قبل غيره أنها فعلت بنا ما لم تفعله سلطة لشعب عربي آخر مثله في اي مكان في العالم ، وفعلت بنا ما فاق عشرات الأضعاف عن ما فعلته إسرائيل " عدوتنا الرئيسية " في كل حروبها معنا .
قال لي احد الأصحاب وأنا اكتب هذه المقالة أن " فاروق الشرع " على ما يبدو لم يكن يشاهد الفضائع على القنوات الفضائية ،إما انه لا يملك تلفزيون في بيته او انه يتابع فقط أخبار وتحليلات محطة " دنيا " التابعة للزاهد الملقوف رامي مخلوف ، " دنيا " الدجل والكذب ، فقلت له قد تكون السلطة وعلى قلة عقل القائمين عليها اعتبرته سلفي مندس ارهابي مثل بقية اهالي درعا ، يحرم رؤية التلفزيون وبرامجة ، فإذا كان الأمر كذلك ، او قريبا منه فهو معذور ..!!
بكل أمانة لم أكن متيقنا بانه سيقوم بمثل هذا الدور الإنقاذي لـ " سلطة آل الأسد " المريضة ، ولا ادري ان كان هناك من داخل السلطة أو خارجها من أمر أو اقترح لع القيام بهذا الدور الممسوخ ، ولربما الست الكبيرة " انيسة مخلوف " كانت صاحبة مثل هذا الاقتراح ، والله أعلم ..!
هو بدون ادنى شك مضطلع على خفايا الأمور ، الأمر الذي جعلهم يدفعوا به دفعا باتجاه هذه الخطوة كي لا ينهار عليهم البلد ، بعد أن راودتهم فكرة التخلى المؤقت عن الحل " الشمشوني" الامني الذي لم يحقق شيئا ، لا بل فشل وسقط ، وربما كان وراء مثل هذه الخطورة هو إدراك الذين يعملون في الخفاء بحجم المصيبة التي أحاقت بنا ، وأبعادها ، بعدما انكشفت لهم حجم الآثار الكارثية التي طالت البشر والحجر والطير والشجر والتاريخ والمستقبل المنظور لسوريا..!؟
المهم أن ظهوره كان متأخر ، وضعيف ، وهزيل ، وغير مطمئن ، لا بل غير مقنع لأحد من الناس ، وبدا لنا الصورة بالعامية الحورانية " مثل الصوص المبلول ، والواقع بنقعة ماء "، أو ربما فأر مريض ومسموم سقط في " نقعه آسنة " تم نشله لتوه ، ليترأس على عجل مؤتمر بائس ، أو ملتقى التفافي تلميعي خادع ومكشوف المرامي ، ومفضوح الاهداف ، وفاشل بكل المعايير قبل أن ينتهي ، وكأن الأمر كله تركز على إيجاد مخرج ما لإنقاذ السلطة القائمة ، وشخوص " آل الأسد " على حساب الوطن والشعب ..
هذا هو انطباعي الأول في ظهوره الأول في الجلسة الأولى للقاء ألتشاوري للحوار الوطني الشامل الأول ..
وعلى فرض أن هذا الانطباع الذي خالجني كان خاطئ وان الأمر غير ذلك ، نسأل على سبيل المثال هذا السؤال : هل يستطيع " فاروق الشرع " لكونه يتقلد منصب نائب رئيس السلطة الحاكمة أن يأمر العسكر بوقف الاجتياحات للمدن التي بطبيعة الحال ، وكما هو معروف ، امريها فوق المؤسسات وفوق المسائلة ، لا بل فوق الوطن والمواطنة ، والقوانين ، اي كل القوانين معطلة أمامهم ، ولا تُصاغ نصوصها في السلطة الحاكمة ، لان السلطة بالاصل لا تسير الا فقط بالاوامر والمراسيم " الجمهورية " التي لا تأخد من الوقت الا الطباعة فقط ..
ثم هل يستطيع الطلب من وزير الدفاع أن يصدر أمر يقضي بسحب الجيش ومدرعاته والياته من المدن والقرى والبلدات إلى ثكناتها ويترك الناس تعبر عن رأيها كما هو الحال في مسيرات التأييد ..!!؟
وهل يستطيع إصدارا أمر أو إيعاز أو توصية، لنسميه أي شيء المهم أن يتم الإفراج من خلاله عن سجناء الرأي في سوريا !!؟
إذاً فاروق الشرع نائب الرئيس عاجز..عن فعل أي شيء لغاية الآن ، وسيبقى كذلك الى ما شاء الله ، لانه صورة بلا صوت ولا حركة ..!
ونحن نعرف وندرك هذه الحقيقة ، كما نعرفه هو أيضاً بشكل جيد ، فهناك للاسف نقولها من باب الوصف فقط ، صفات يشترك بها مع " قراد البهائم " ، فمنذ زمن كنا نتمنى أن نمدح به صفه طيبة ، ولكنه كان يأبى أن يُظهر لنا صفة تستحق المديح ، وليس ذلك مستغربا ، ولا يجب أن يكون مستغربا .
فهو الوفي الذي قد يكون فاق الكلاب بوفائها وإخلاصها ، لكن إخلاصه كان دائما للقتلة المنحرفين الذين حكم البلد على مدى عقود مرت ، بدلا من أن يكون وفيا ومخلصا للشعب والوطن ..
ولما لا فهو ربيب " حافظ الأسد " ، وهو الذي تربى وتطبع في مدرسته ، مدرسة الخنوع والعبودية ، استهوته سادية عسكر الأسد ، فدجنوه ، ووافقهم ، وصمت على عُهرهم طمعاً ، عاش في بحبوحة من العيش الآمن المطمئن ، تحت ظل " البصاطير التي داست كرامة الوطن " قبل أن تدوس عليه ..
لكن الواضح أنه ، أو ربما غاب أو غيب " فاروق الشرع " عن باله ، انه مهما علا شأنه ، ومهما كَبُرت صفته الرسمية ، وأرتقى منصبة الديكوري الفارغ كنائب للرئيس في " مزرعة " آل الأسد الموروثة ، أنه وبمجرد زلة صغيرة وفق رؤيتهم الاجرامية المتوجسة بشكل دائم ، ربما يحاول أن يتوقاها ما أمكنه إلى ذلك سبيلا ، فلن يكون ثمنه أغلى من ثمن رصاصة واحدة فقط ، ربما تكون في رأسه أو فمه ، ومن مسدس شبيح معتوه ..
وقد تكون هذه الرصاصة من النوع الرخيص ، وارخص من تلك التي " استنحرت غازي كنعان "، ومن قبله رئيس الوزراء السابق " محمود الزعبي " ، وبمجرد أن ينتهي دورة .
لكن ما هو المطلوب في هذه المرحلة من " فاروق الشرع " كي يدخل التاريخ من أوسع أبوابة ، اذا أراد أن لا يبقى كـ " الكلب الأمين " لسلطة لم تكن يوماً أمينة لا على الشعب ولا على الوطن ، أن " ينشق " فورا ، وان لا يبقي نفسه تابعا مذلول وحقير لسلطة لا تحترمه ولا تحترم كل مايمت له بصلة ..
لكن كيف ..!؟
هذا ما لا نريد أن ندخل أنفسنا به..!
المهم أن ينوي الانشقاق والعمل عليه وكيفما يشاء ..! وبالطريقة التي يراها مناسبة له .. فانشقاقه اليوم يوفر الكثير من الدم والمعاناة والدمار ..
الاستعجال بالانشقاق والانفصال عن هذه السلطة والانضمام إلى صفوف الشعب أفضل من التمهل فيه ، وخصوصا أن الدولة ومؤسساتها ومقدرات الوطن هي المتضررة الآن أكثر من السلطة الحاكمة وأفرادها .
وليعلم " فاروق الشرع " علم اليقين ، ويضع يديه وقدميه في مياه باردة ، أن السلطة باتت منتهية وساقطة وحركة الزمن تسير الى الامام ولا ترجع إلى الخلف ، والشعب الذي ضحى بدماء أبناءة لن يتراجع مهما كانت الوعود كبيرة وجميلة ، ومهما علا مناصب مطلقيها ..
فلا نريد لـ " فاروق الشرع " أن يبقى عاجز ، وليتذكر انه ابن حوران الشهامة والرجولة والنخوة ، ابن ارض وطئها الأنبياء والرسل ، وقدسها وكرمها وبارك بها رب العالمين ، وان العمل البطولي يصنع رجال التاريخ ويَجُّبُ ما قبله من موبقات كما " الشهادة في سبيل الله " .
وليعلم أيضا أن الإنسان في حياته موقف يُحسب له أو عليه ، والوطن والشعب باقيان وهما اكبر من الجلادين والمنحرفين والورثه ، .. وكل من في السلطة زائلون ، وللتاريخ أمكنة ومواقع فلا يختار " فاروق الشرع " منها المزابل..