لأن النفي يسبق أي إجراء للتحقيق في المقابر الجماعية
نفي دمشق يثبت وجود مقابر جماعية في درعا
حينما يصرح مصدر " مسئول " بوزارة الداخلية ويقول :
" أن بعض محطات التلفزة ووسائل الإعلام نقلت في سياق حملة التحريض والافتراء والفبركة التي تشنها ضد سورية ومحاولاتها المستمرة للنيل من استقرارها وأمن مواطنيها خبرا عن شهود عيان حول وجود مقبرة جماعية في درعا أن هذا النبأ عار عن الصحة جملة وتفصيلا " ..
فانه .. أي هذا المصدر " الغير المسئول " يقصد أن المقبرة الجماعية غير موجودة أصلا ، بما أنها لم تُرتكب بالأصل ، وان تلك الأفلام ومقاطع الفيديو التي تتناقلها وكالات الأنباء والمنتشرة أكثر على مواقع الانترنت ، بحسب زعمهم ، مفبركة بالصوت والصورة من قبل شهود عيان أو " عُميان " ومندسين وسلفيين ، لا يريدون خيرا للبلد وشعبه .
هذا المصدر يحاول أن يعطي انطباعا بان الهدف من وراء هذه " الفبركات " هو إثارة الشعب السوري على سلطته الحاكمة ، بالتالي لا وجود بالأصل لشيء اسمه " مقبرة جماعية " سواء كان في درعا في غيرها ارتكبتها قوات السلطة بحق المدنيين السلميين ، مفترضا هذا المصدر ، أننا فهمنا أن الذين شوهدوا بمقاطع الفيديو هم فقط من الأفراد المدنيين للشعب السوري فقط ، من الذين تظاهروا وإن بشكل سلمي ، بمعنى آخر هم مدنيين فقط ..!!
مستبعدا أي احتمال آخر ، على سبيل المثال بعض العسكريين أو الشبيحة بينهم ممن اكتشفوا وكشفوا الحقيقة ، فاعدموا خوفا منهم من جهة ، ومن جهة أخرى لرفضهم إطلاق الرصاص على الشعب الأعزل في درعا ..
المهم في الأمر أن المجازر موجودة وأمكنتها موجودة ولا يمكن أن يغطي الغربال شمس آب في كل الأحوال نفي وجود مجاز قبل التحقق لا يعني أنها غير موجودة ، وإلا سيكون قد غاب عن هذا المصدر المسئول الألمعي أن " نفي الشيء قبل التحقق منه والتحقيق فيه إثبات على وجود مثل هذا الاحتمال " وهو بالمناسبة حقيقة وليس احتمال ..
لا نريد أن نؤكد للمصدر " الغير المسئول " ، ولمن يحاول أن ينفي صحة هذه الأخبار الأكيدة معه ، أن حجج النفي ضعيفة ، فكما جاء بالأفلام المصورة والموجودة بتفاصيل أدق واشمل ، هي مقبرة من مقابر جماعية عديدة وموجودة فعلا ، وفي أكثر من مكان في درعا وريفها ، ويعرف أماكنها جيدا المسئولين عنها ، ولكن هذه المقابر ليست فقط لمدنيين عزل من درعا ومحيطها ، كما افترض الغبي صاحب التصريح ومن صاغ له كلماته ، فمجرمي النظام ينظرون للجميع سواء كان معارض أم مؤيد عسكري أو مدني واحد وهم في النهاية أدوات تخدم في المحصلة أهدافهم ، فيقتلون الكل في سبيل الوصول لمبتغاهم .
فقد يكون جل هذه الجثث ، وأنا لا استبعد ذلك من التي تم العثور عليها ، قد تكون لجنود وضباط في الجيش والأمن ، ممن اعدموا ميدانيا أو قتلوا على أيدي قطعان الأمن المشحونة بالطائفية الحاقدة أنفسهم ..
ولما لا .. فمن الطبيعي عند هكذا سلطة إعدام وتصفية من رفضوا أوامر إطلاق النار على المدنين العزل ، من يدري ..!؟
هذا ما نريد توضيحه ، لذلك يجب أن يتنبه أهل المفقودين لهذا الأمر واعتبار أن هذا الاحتمال كبير ووارد ، فربما يكون كثير من أبناءهم من بين هؤلاء ، سواء كانوا من عناصر الأمن أو الجيش أو حتى من عناصر الشبيحة أو الموالين للسلطة ، والمدفوعين بحماسة ، أو المغرر بهم ، بعد أن غابت عندهم القدرة الوصول لفهم تفكير المتظاهرين المدافعين عن حريتهم وكرامتهم ورغبتم الكبيرة بعيش كريم في الوطن الكبير الذي يضم الجميع بدون تفريق أو تمييز ، وبين عدو للوطن أوهموهم بوجوده ، ووجوب التصدي له ودحره.
وهذا ما يجب أو يفترض أن تحقق به وزارة الدفاع ، إذا كانت تلك الوزارة فاعلة ، ومؤسسة تحمي المنتمين إليها ، لتقف بشجاعة على حقيقة مفقوديها من مختلف قطاعات الجيش ، إن بقي في الوزارة شجاعا يدافع عن الشرف العسكري ..
فمن الجثث ما قد تعود لشبيحة السلطة وزعرانها ، ومن أفراد العصابة المقربة التي دُفعت أحيانا بالشحن الطائفي ، والتي تنتمي لها عقائدياً ومصيرياً حين هبت لنجدتها، أو من عناصر الأمن المختلفة الذين لم يراعوا قانونا ولا دينا وحاول أفراد منهم التعدي على الحرمات والأعراض فقُتلوا في أماكن محرمة الدخول عليها وفق الأعراف الاجتماعية في حوران ، ورموا في الشارع ولم يتم التأكد من هوياتهم فتم مواراتهم ودفنهم بمقابر جماعية واعتبروا من المفقودين أمام أسئلة أهاليهم .
وهنا يجب أن يعرف الجميع الحقيقة كما هي ، وهي أن مجرد سمعت السلطة المرعوبة ، سلطة المراهقين الحاكمة باحتجاج قد قام في درعا ، اهتزت أركانها ، وفقدت صوابها ، وأطلقت أجهزتها الأمنية المختلفة بعدّها وعددها وعتادها ، للقمع والقتل بلا ضوابط ، ولتحارب الخمسة عشر طفلا الذين أسقطوا هيبة " سلطة عائلة الأسد " بعدما كتبوا على جدران مدرستهم " يسقط نظام الأسد " ، فبدءوا بإطلاق النار بشكل عشوائي ومتسرع وبلا تمييز ، فقتل بعضهم البعض بقصد وبغير قصد ، مع غياب أي تنسيق فيما بينهم ..
وأحياناً كانت الضحايا تتساقط نتيجة التنافس الحاقد فيما بين الأجهزة الأمنية نفسها ، على من يرعب أكثر من الأخر ، في محاولة لخنق ووأد هذا الاحتجاج الذي تحول اليوم إلى ثورة بفضل تعامل سلطة المراهقين الحاكمة من سوريا معها ، فخلفوا بهذا التسرع في صفوفهم العشرات بل المئات من القتلى والجرحى ليتم دفنهم في مقابر جماعية متعددة اختيرت أمكنتها على عجل ..
أخيرا هم بكل بساطة ما تعودوا على إطلاق النار بشكل دقيق على عدو غير الشعب ، ولم يتدربوا إلا لمثل هذا اليوم ، ولا يعرفون إلا قتل الأبرياء في السجون والمعتقلات ، لذلك استقدموا القناصة المحترفين للمساعدة ، الذين يقتلون بلا رحمة من منطلق عقائدي ، يندرج في إطار التكليف الشرعي ، فكانت هذه المقابر الجماعية التي ضمت العشرات من البشر ، ومنها غير معروف الهوية .
في كل الأحول حسنا فعلت مصادر السلطة الحاكمة في دمشق فهي أكدت من حيث لا تعلم على وجود مثل هذه المقابر ، فــالحق أبلج والباطل لجلج، و" نفي الشيء قبل التحقق منه والتحقيق فيه إثبات على وجوده " ..
نشرت هذه المقالة في موقع جدار بتاريخ 18/5/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق