فهذا العدو الوهمي الموجود في ثقافة " حافظ الأسد " ، خطر دائم ، وحاضر قائم ، يتربص بالوطن والمواطن السوري ، ويسعى للنيل منهما ، تاركاً كل البشر الاخرين ، وعلى هذا الاساس لابد لنا من حشد القوى والطاقات لمواجهته ، من خلال رص الصفوف ضده ، والتأهب والاستنفار المتواصل ، والدفاع عن الوطن وخيراته ، والمواطن ومكتسباته والوقوف خلف القائد الذي يتصدى له ..
هذا العدو الخارجي الموهوم وفق ما " كرسته " سلطة " حافظ الأسد " لئيم وماكر ومتآمر لا يكف عن محاولاته في خرق الداخل السوري ، واللعب على ضعاف النفوس فيه من الـ " مندسين " اللاوطنيين ، والذين يسمون مجازا بالمعارضة ، وفق هذا مفهوم " العدو الخارجي " الدائم وجدلية حزب البعث العربي الاشتراكي العدمية الذي امتطى" حافظ الأسد " بعض فكره وأكثرية منتسبيه ، بقي البلد السوري في حالة حرب دائمة ، ومستمرة وغير حاسمة وبلا نهاية لها ، ومع عدو غير محسوس وهمي ومزاجي وهلامي عطل لنا كل نواحي التنمية .. .
وحالة الحرب هذه لا زالت مستمرة لغاية اليوم ، وستبقى كذلك ما بقيت هذه السلطة قائمة بطبيعة الحال .. لذلك كان لابد له من الإبقاء على أحكامه العرفية ، واستنفار دائم لأمن وجيش البلد ، وفوق هذه وذاك سلطات مطلقة للقائد الأعلى لهذه السلطة ..لأجل ذلك ..
نفس السيناريو والإخراج على ما يبدو يطبقهما اليوم وريثه " بشار الأسد " ابن أبيه ، وابن ذاك القائد الخالد الأبدي الذي لا يموت ، معتبراً ربما أكثر من ابيه ان المواطن السوري لا شيء وليس له أي أهمية إلا لزوم قيام هذا الكيان المسمى سورية ، فالمواطن لم يكن يعني الأب يوم من الايام ، ولن يعني الوريث بالقطع أيضا بأي حال ، ولا يهمه لو كان جائع ضائع تائه ، لكن المهم هي المسئولية التي يجب أن يتحملها المواطن ، والتي من تبعات " الوقوف المشرف " في وجهة المؤامرة التي نسجتها أحلام وهواجس قائدنا الى الابد الأمين " حافظ الأسد " ونتائجها ، ومن بعده السلطة الحاكمة التي يقودها الوريث ..
ولأن السلطة مطلقة .. فهي فوق المسائلة ، ولا يجب أن يكون عليها حسيب ولا رقيب ، وما المعارضة إلا حالة مريضة معلولة ، ومرفوضة في كل الحالات إن وُجدت ..
هذه الخلطة العجيبة الغريبة الخاصة ، التي ابتكرتها بنات أفكار " الأسد " الاستبدادية في سوريا ، وتمكنت من خلالها الجمع بين مفهومي أو مصطلحي " العدو الخارجي " و" نظرية المؤامرة " وهما اللذان شكلا صمام الأمان لأمنها واستقرارها في الماضي ووقوفها لغاية الآن ، وتم لهذه السلطة ومن خلال استثمارهما ترويض الشارع السوري ، لا بل تخديره ، حيث أستسلم المواطن السوري للأمر الواقع ، واعتقد طوال تلكم الفترة من الزمن أن هذه السلطة باتت عليه " قدر ومكتوب " ودائم السؤال لربه أن يلطف فيه ..
قد يخطأ من يعتقد بأن محنتنا مع السلطة حديثة العهد ، وأن الأزمة التي تعصف بنا اليوم هي نتيجة ثورة الكرامة ، أو أنها نتيجة طبيعية لسياسات ربما كانت خاطئة وإخفاقات غير مقصودة أقدمت عليها السلطة فقط ..
أنها نتيجة طبيعية وحتمية للإستراتيجية المدروسة والمبنية على خلفية استفراد " حافظ الأسد " صاحب التفكير الفئوي والطائفي بالقرار ، ومنذ الأيام الأولى لاستيلائه على السلطة ..
وقد عمل منذ اليوم الأول على استدراج شباب " الطائفة العلوية " واستثمر واستنفر طاقاتهم الكبيرة ، والحق يقال أنه كان ناجحاً وبامتياز في مجمل سياساته التكتيكية والإستراتيجية على المستويين الإعلامي والشعبي في تحقيق طموحاته الشخصية في هذا الأتجاه وبمعزل عن ما يريده البلد وأهله ، وهذا ما أدى في مراحله الأولى إلى شكل من أشكال الاستقرار الظاهري ، وان كان هذه الشكل يعد من أسوأ أشكال الاستقرار لأنه كما قلنا مبني على القمع وكبت الحريات ، وهذه الحقيقة ربما تفسر أو توضح سبب بقاء الديكتاتور الأب ومن بعده الابن في سدة الحكم مدة تزيد على الأربعة عقود من الزمن دون منازع ، وأقصد بالطبع السياسات المعلنة للنظام ، والتي كانت تهدف عمليا وما تزال الحفاظ على أمن النظام واستقراره ..