الثلاثاء، مارس 27، 2012

دكتاتورية " ال الاسد " الاستبدادية




دكتاتورية " آل الأسد " الاستبدادية

لا أضيف شيء جديدا لو قلت أن الأنظمة أو السلطات الدكتاتورية والاستبدادية في أي مكان في العالم وعلى مر التاريخ ، لا تعتمد فقط على القمع والبطش والعنف كأسلوب عمل تقليدي ، ووسيلة وحيدة تسير عليها لتثبيت وجودها وديمومة بقائها واستمرارية قبضتها القاسية ، بل تضيف أدوات أخرى مساعدة لها تساعدها على تحقيق ما تسعى الى تحقيقه ، وهذه الأدوات ربما لا تقل أهمية عن كل من الأسلوب والوسيلة اللتين تعتمد عليهما ، وعلى رأس هذه الأدوات " الثقافة العامة " المتداولة بين الناس ، حيث تلوث السائد منها وتجعله على شكل منظومات ثقافية قائمة متكاملة منتظمة ومدروسة ، وتنفذها بخطوات منها مايكون خطوات تكتيكية وأخرى إستراتيجية ، بالاضافة الى اشياء اخرى ولو على شكل روابط ملتوية خارجية ، واحلاف مشبوهة تخدم في نهاية المطاف مصلحتها ، وتعزز مطلقية سلطاتها..

وليس غريبا في واقع الأمر أن تكون الدكتاتورية الاستبدادية الحاكمة في سوريا بهذه البشاعة ، أو ان نكتشف تلك البشاعة اليوم ، فقد كانت كذلك ومنذ المراحل الأولى لاغتصاب مؤسسها الراحل " حافظ الأسد " للسلطة ، ووصوله لسدة الحكم بانقلابه المعروف باسم الحركة التصحيحية ، لكن تعامينا عنها غيّب عنا التقدير السليم واخفى لنا حقيقية بشاعتها..

لقد اعتمد المذكور بمكر وخبث مجموعة مصطلحات ومفاهيم مشتقة من فكر قيل أنه قومي عروبي وثقافة حزب البعث الديماغوجية ، أو المنسوبة له ، قبل تحويلها فيما بعد إلى أيديولوجية خاصة تتمحور حول فكرة الحزب القائد للدولة والمجتمع ..!
ولعلني في هذا السياق استحضر من جملة تلك المفاهيم والمصطلحات المصطنعة والمختلقة ، والتي بُنيت عليها هالة من التقديس الزائف ،  حيث استغلها لمصلحته بشكل فاضح ، على سبيل المثال لا الحصر ،  " الوحدة العربية " الوهمية ، و" الأمة الخالدة " الخيالية ، و" العدو الخارجي " الطامع .. وإلى ذلك من هذا الكلام الفارغ  ..

ربما الراحل " حافظ الأسد " المؤسس لهذه السلطة استطاع أن يقنع البعض منا أنه يقف أمام أخطر هذه المصطلحات على الإطلاق وهو " المؤامرة الخارجية  " ، وهو فعلياً نجح الى حد ما ، وتمكن من اعتمادها في سياسته الداخلية ، وسوقها على الشعب السوري معتبرا إياها أم المشاكل ، ولولاها لأصبحنا نتنافس مع اليابان في مركزها الاقتصادي الذي تحتله ، وربما سبقناها في بعض المجالات ، ومع السويد في مستوى الحريات العامة .. بينما هي فعليا لم تكن الإ مصطلح أو مفهوم هلامي لعدو مفترض لا أساس محسوس له ..!
فقد اوهمنا ان هذه المؤامرة يقف ورائها عدو لئيم .. عمل على افشال سياساته التنموية والتطويرية والتقدمية ، ما عدا القمعية بطبيعة الحال ، وكأنه على ما يبدو بعدما كذب هذه الكذبة ، وصدقها ، أرادنا أن نصدقها مثله ، ونصدق ادعاءه بوجودها ، وأرادنا أن نعتبرها حقيقة موجودة في حياتنا وقائمة يجب التعامل معها بشكل دائم ، وبحسب ما يراه هو مناسبا بطبيعة الحال ، بالتالي التعامي عن كل ما هو دونها ، وعليه تكون مواجهتها غير قابلة للمعارضة ولا المناقشة ، ولا حتى نقد طريقة التعامل معها ..

فهذا العدو الوهمي الموجود في ثقافة " حافظ الأسد " ، خطر دائم ، وحاضر قائم ، يتربص بالوطن والمواطن السوري ، ويسعى للنيل منهما ، تاركاً كل البشر الاخرين ،  وعلى هذا الاساس لابد لنا من حشد القوى والطاقات لمواجهته ، من خلال رص الصفوف ضده ، والتأهب والاستنفار المتواصل ، والدفاع عن الوطن وخيراته ، والمواطن ومكتسباته والوقوف خلف القائد الذي يتصدى له ..

هذا العدو الخارجي الموهوم وفق ما " كرسته " سلطة " حافظ الأسد " لئيم وماكر ومتآمر لا يكف عن محاولاته في خرق الداخل السوري ، واللعب على ضعاف النفوس فيه من الـ " مندسين " اللاوطنيين ، والذين يسمون مجازا بالمعارضة ، وفق هذا مفهوم " العدو الخارجي " الدائم وجدلية حزب البعث العربي الاشتراكي العدمية الذي امتطى" حافظ الأسد " بعض فكره وأكثرية منتسبيه  ، بقي البلد السوري في حالة حرب دائمة ، ومستمرة وغير حاسمة وبلا نهاية لها ، ومع عدو غير محسوس وهمي ومزاجي وهلامي عطل لنا كل نواحي التنمية ..  .

وحالة الحرب هذه لا زالت مستمرة لغاية اليوم ، وستبقى كذلك ما بقيت هذه السلطة قائمة بطبيعة الحال .. لذلك كان لابد له من الإبقاء على أحكامه العرفية ، واستنفار دائم لأمن وجيش البلد ، وفوق هذه وذاك سلطات مطلقة للقائد الأعلى لهذه السلطة  ..لأجل ذلك ..

نفس السيناريو والإخراج على ما يبدو يطبقهما اليوم وريثه " بشار الأسد " ابن أبيه ، وابن ذاك القائد الخالد الأبدي الذي لا يموت ، معتبراً ربما أكثر من ابيه ان المواطن السوري لا شيء وليس له أي أهمية إلا لزوم قيام هذا الكيان المسمى سورية ، فالمواطن لم يكن يعني الأب يوم من الايام ، ولن يعني الوريث بالقطع أيضا بأي حال ، ولا يهمه لو كان جائع ضائع تائه ، لكن المهم هي المسئولية التي يجب أن يتحملها المواطن ، والتي من تبعات " الوقوف المشرف " في وجهة المؤامرة التي نسجتها أحلام وهواجس قائدنا الى الابد الأمين " حافظ الأسد " ونتائجها ، ومن بعده السلطة الحاكمة التي يقودها الوريث ..

ولأن السلطة مطلقة .. فهي فوق المسائلة ، ولا يجب أن يكون عليها حسيب ولا رقيب ، وما المعارضة إلا حالة مريضة معلولة ، ومرفوضة في كل الحالات إن وُجدت ..

هذه الخلطة العجيبة الغريبة الخاصة ، التي ابتكرتها بنات أفكار " الأسد " الاستبدادية في سوريا ، وتمكنت من خلالها الجمع بين مفهومي أو مصطلحي " العدو الخارجي " و" نظرية المؤامرة " وهما اللذان شكلا صمام الأمان لأمنها واستقرارها في الماضي ووقوفها لغاية الآن ،  وتم لهذه السلطة ومن خلال استثمارهما ترويض الشارع السوري ، لا بل تخديره ، حيث أستسلم المواطن السوري للأمر الواقع ، واعتقد طوال تلكم الفترة من الزمن أن هذه السلطة  باتت عليه " قدر ومكتوب " ودائم السؤال لربه أن يلطف فيه ..

قد يخطأ من يعتقد بأن محنتنا مع السلطة حديثة العهد ، وأن الأزمة التي تعصف بنا اليوم هي نتيجة ثورة الكرامة ، أو أنها نتيجة طبيعية لسياسات ربما كانت خاطئة وإخفاقات غير مقصودة أقدمت عليها السلطة  فقط ..

أنها نتيجة طبيعية وحتمية للإستراتيجية المدروسة والمبنية على خلفية استفراد " حافظ الأسد " صاحب التفكير الفئوي والطائفي بالقرار ، ومنذ الأيام الأولى لاستيلائه على السلطة ..

وقد عمل منذ اليوم الأول على استدراج شباب " الطائفة العلوية " واستثمر واستنفر طاقاتهم الكبيرة ، والحق يقال أنه كان ناجحاً وبامتياز في مجمل سياساته التكتيكية والإستراتيجية على المستويين الإعلامي والشعبي في تحقيق طموحاته الشخصية في هذا الأتجاه وبمعزل عن ما يريده البلد وأهله ، وهذا ما أدى في مراحله الأولى إلى شكل من أشكال الاستقرار الظاهري ، وان كان هذه الشكل يعد من أسوأ أشكال الاستقرار لأنه كما قلنا مبني على القمع وكبت الحريات ، وهذه الحقيقة ربما تفسر أو توضح سبب بقاء الديكتاتور الأب ومن بعده الابن في سدة الحكم مدة تزيد على الأربعة عقود من الزمن دون منازع ، وأقصد بالطبع السياسات المعلنة للنظام ، والتي كانت تهدف عمليا وما تزال الحفاظ على أمن النظام واستقراره ..






صحيح أن الأزمة الحالية التي عصفت بديكتاتورية " الأسد " بدأت تظهر بشكل جلي  مع المتغيرات والمستجدات الموضوعية على الساحة الإقليمية والدولية ، وتفاقمت أكثر مع عدم القدرة على استيعاب المرحلة التاريخية وحتمية التغيير ، وعدم القدرة أيضا على التعامل الايجابي والسليم مع المطالب الشعبية المشروعة ،  إلا أننا نستطيع القول أن السياسة الأمريكية وربيبتها في المنطقة إسرائيل ساندت ولا زالت تساند فعليا هذه السلطة ، كما كانت دائما تساند ومازالت تساند بعض الأنظمة المستبدة في المنطقة ولو بشكل غير مباشر ، وذلك خدمة لمصالحهما ، وهذا برأيي ما ساهم ، والى حد كبير في طمأنة النظم الحاكمة في المنطقة وليست السلطة الحاكمة في سوريا وحدها فقط ، على الرغم من بشاعتها التي لا تحتاج إلى وصف ، الى أن الاستمرارية بنفس النهج هو الطريق الاسلم للمحافظة على الحكم ، والديكتاتور الوريث لا بد وأنه كان يدرك تماماً لهذه الحقيقة ، ولذلك بنا تكتيكاته وردود أفعاله وقتله الممنهج والمتواصل على هذه الحقيقة  ..
من هذا المنطلق يمكن فهم تمسك " الأسدين الأب والابن " على مر العقود السابقة بنهجهم الديكتاتوري القمعي ، ورفضهم الإقدام على أي تغيير في طريقة الحكم الاستبدادية والمبنية على كتم الحريات ، والقمع والعنف ، لأنه على ما يبدو تبقى مثل هذه الطريقة هي المقبولة أمريكيا والمرضي عنها إسرائيليا ، حتى لا يتمكن الشعب السوري من اختيار طريقه ، أقله في هذه المرحلة من الزمن ، والذي بكل تأكيد لن ترضيهم قراراته الحرة ، برغم ما نشاهده كل يوم من تصريحات إعلامية ملتبسة هنا وهناك .. وما إلى ذلك من هذا الكلام ، والتي تهدف في النهاية إلى إرضاء وطمأنة البسطاء والسذج ليس إلا ..

أخيرا معضلة المعضلات الحقيقية التي لا بد من تجاوزها بعد تفكيكها ، تكمن في الآثار التي خلفتها مفاهيم وقيم دكتاتورية " الأسدين الأب والابن " في سوريا ، وتأثيرها على البعض الموهوم ، ممن يتمنطقون بمنطقها ويتفلسفون بفلسفتها ، على اعتبار أنها جزء من الثقافة القومية العربية وليست السورية فقط ، وحقيقة الدور الذي تقوم به ، فهذا البعض على ما يبدو تأثر حتى العظم بمفاهيم الدكتاتورية ، وبات يصدق الكذب الواضح رغم علمه بأنه كذب ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري يدرك أن " نظامه الاسد الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن الذي تبقى منه فعليا...