" الخدعة الكبيرة "
من الطبيعي أن تقف الثورات الشعبية إلى جانب بعضها البعض ، وتساند الواحدة الأخرى ، وهذه قاعدة عامة ، لكن من غير الطبيعي أن يكون العكس ، بمعنى أن تقف ثورة شعبية مطلبيه في مكان ما ضد ثورة شعبية أخرى تحمل نفس المطالب ، خصوصا إذا ما تشابهت هذه الثورات بأسبابها وأهدافها والمرامي التي تسعى لها ، وكان الأساس الذي قامت عليه هو انتزاع حقوق مغتصبة لشعب من الشعوب ، إلا الثورة الإيرانية التي خرجت عن هذه القاعدة خروجا لم يكن متوقعاً وبشكل استثنائي ..!!
لماذا ..!؟
لأنها شاذة بمذهبيتها وعنصريتها ، ومن تزعمها للأسف كان أكثر شذوذاً منها ، فقد شذت عن القاعدة الطبيعية لأي ثورة ، وانحرفت عن ما أراده ويريده الشعب في إيران ، أو لنقل ما كان يرجوه من تغيير إلى الأفضل من هذه الثورة على الأقل .. فأصبحت بذلك استثناء من بين كل الثورات التي قامت في المنطقة ، على الأقل فيما آلت إليه نتائجها المحسوسة على المستويين الداخلي في إيران ، والخارجي الإقليمي والدولي ..
إذ لا يمكن لأحد أن ينكر أن الثورة الإيرانية عندما بدأت كانت تطالب بالحرية ، والتخلص من سلطة الشاه " محمد رضا بهلوي " القمعية والاستبدادية والشمولية ، وهي بالتأكيد ما قامت إلا بإرادة ورغبة الشعب الإيراني ، لكن على ما يبدو تحولت الحرية المطلوبة للشعب ، بعدما كُسرت الإرادة ودُفنت الرغبة ، إلى حرية وعصمة لفرد " فقيه " قَدِمَ من روايات التاريخ المذهبي العفن والمكذوب لكي يتصرف برغبة مريضة وبشكل مطلق ، ولسوء حظ الإيرانيين نجد أن الظروف الموضوعية لهذا " الفقيه " حولت شخصيته وبشكل منهجي ومدروس إلى " آلهة "مقدسة ومعصومة عن الزلل والخطأ في ذهن العامة ، ولها من القداسة والعصمة ما لم تمتلكها شخصيات أعظم الرسل والأنبياء عبر المسيرة الإنسانية منذ ادم عليه السلام ...
لذلك الثورة الإيرانية مُسخت ، أو عُمل على مسخها ، وظهرت أشبه ما يكون بمولود غير طبيعي ، فرح أهله به عند مولده ، حتى بدت لهم الحقيقة بعد أشهر من ولادته بأنه " مولود معوق " ، ومصاب بالعته ، ولا رجاء من علاجه ، ولا جدوى حتى من معالجته ، ولأن هذا " الحمل الغريب " كان نتاج علاقة غير شرعية وحتى غير سوية بين الشعب الإيراني الثائر على حكم الشاه الاستبدادي القمعي من جهة ، مع " متمتع " مجنون ومختل ومهووس ، استحضر من الماضي ذلك الفكر المذهبي الانتقامي الحاقد الملوث والعفن من جهة أخرى ، وليسفك دماء شباب الشعب الايراني رخيصة في سبيل هذا الفكر المنحرف ، وليكن بمثابة وقود بخس الثمن ليصل به الى حلمه المريض بالهيمنة على المنطقة ومعتقدها ، ولتزداد الطينة بلة فوق بللها ، فقد ساهمت كذلك وإلى حد كبير تلك الظروف الدولية والإقليمية التي كانت قائمة آنذاك في إنجاح تلك الثورة ، وتمكن الخميني منها ، والتي بطبيهة الحال جاءت بعكس مايتمنى ويرغب الشعب الايراني الثائر على مستبد تعيس ليقع من حيث لا يحتسب ضحية سهلة بيد مستبد أتعس..
إن معظم الإيرانيين بكافة مشاربهم وانتماءاتهم لم يكونوا على إدراك كامل في علاقتهم مع هذا " المجنون والمهووس " الفاني ، أو هكذا أنا أفترض ، وهم اليوم بكل تأكيد لا يؤيدون طريقة الحكم المذهبية الحالية ولا السلطة الثيوقراطية الحاكمة ، لا بل أزعم أنهم لم يؤيدوها منذ بداياتها ، فكم الإعدامات التي طالت من العقول المفكرة ، وأصحاب الخبرات العالية ، والقيادات العسكرية والمدنية في عهد الشاه ، وبموجب أحكام قضائية تعسفية متسرعة وانتقامية ، أصدرتها بحقهم محاكم الثورة التي أدارها ورأسها حفنة من الصبية " المتخلفة والمتحمسة " وبتوجيه ذاك " الفقيه " القادم من التاريخ الملوث بالدجل والخزعبلات والحقد الأعمى ..
لهذا السبب ولكونها تحولت إلى مذهبية استحضرت معها كل حوادث وروايات وقصص الحقد الأعمى من صفحات التاريخ الملوث والعفن ، ووقفت بكل وقاحة ضد الثورة السورية ، فتحّولت مبادئ الثورة إلى مصالح مذهبية مقيتة ، هذا إذا ما افترضنا بالأصل أن من تزعمها كان له مبادئ ..
مر معنا أن الثورة عادة ما تأكل أبناءها ، ربما تصح هذه المقولة ، وقد صحت هذه المقولة في أكثر من زمان ومكان ، لكن في إيران فيه شيء من الاختلاف ، فشخص واحد اسمه " الخميني " أكل الثورة وبلع الكثير من أبنائها ومفكريها ، وتجاوزت شهية الأكل والبلع عنده حدود إيران إلى محيطها ، حتى وصل إلى أبنائنا ومازال يأكل ويبلع حتى وهو في قبره ..
هذا الـ" فقيه " الذي وصل أرذل العمر ، وارتفع عنه التكليف ، والذي كان من المفترض أن يُحجر عليه لكونه لم يدرك ما كان يفعل ، بعدما مرت عليه كل أمراض الشيخوخة التي هدمت بنيانه البدني ، لكنها على ما يبدو لم تهدم بنية الشيطان فيه ، فوصل به السن مرحلة متقدمة وهو يعيث الفساد في المنطقة ، بالرغم من ظهور " الزهايمر " أو مرض فقدان الذاكرة والنسيان في ذاكرته ، إلا أن أياديه بقيت مغموسة بالدم البريء حتى موته ..
ربما المفاجأة الغير محسوبة التي لم تكن بحسبان الإيرانيين أن يظهر هذا المسن كوحش قاتل ، لم ينتج مثله خيال بشر من قبل ، ولا مقاربة أو مثيل له يمكن أن ينتجه أي خيال مهما كان إجرامي وخصب ، استوحش وفجر فأكل أبناء إيران الثورة بنهم المفترس اللاحم ، وخرب الموروث الحضاري لتاريخ إيران بشكل انقطع نظيره ..!
هنا لا بد وأن يتبادر للذهن السؤال التالي لماذا حصل في إيران ما حصل ، أمن المعقول أن يكون الإيرانيون بهذه السذاجة والسطحية ، وبدل أن يثوروا لكرامتهم وما كانوا يعانوا منه إبان حكم الشاه ، رضّوا بتسليم ذقونهم لـ " الخميني " وأمثاله الأكثر سوءا من الشاه نفسه ، هل كان الإيرانيون بحاجة لمثل هذا المجنون ليتحكم بهم ويحكمهم بأسلوب أهل العصر الحجري ..!؟
أنا ما أعرفه أن الإيرانيين بمختلف مشاربهم هم أصحاب حضارة لا يستهان بها ، ولهم باع طويل في كل مجالات الفن والأدب ، مسارحهم كانت عامرة ، وصالتاهم الثقافية ، الأدبية والشعرية كانت تزخر بالكتّاب والأدباء والشعراء ، فضلا عن المنتديات الفكرية في مختلف العلوم ، فأين هي إيران اليوم من كل هذا ..!؟
هل تعمّد الإيرانيون تدمير تراثهم بإرادتهم في مقابل أن يحكمهم هؤلاء المجانين ..!؟
هنا يجب التوقف قليلا واستحضار فرضية " الخدعة " أو مسألة الانخداع بهذا المتفقه ، فأمام ما حصل ويحصل لا استطيع استبعاد مثل هذه الفرضية ، فربما أستغل " الخميني " كبر سنه وشيخوخته ، ومظهره الخارجي الذي يوحي بالورع ، ليلعب من خلالهما على عواطف الإيرانيين لينخدعوا بهما فينخدعوا له ، وهذا ليس غريبا لطالما أن الطبيعة البشرية أو الفطرة السليمة تميل لاحترام المسن فضلا عن الإسلامية منها ، والتي عادة ما تُجِّل وتحترم كبير السن بشكل اعتيادي وتلقائي بدون الانتباه لاحتمالية أن تقع بخداعه ..
ربما يكون هذا الاحتمال ، هو ما دفع بالأغلبية الإيرانية الثائرة والمؤثرة في عموم الحراك الإيراني ضد حكم الشاه الجائر إلى قبول تولي شخص مسن " كبير السن " ، متزن وحليم ، افترضوا أن له من الحكمة والزهد في الحياة ما لا يتوفر مثلهما في شخص آخر ، بالتالي هو خير من يستطيع تسيير مرحلة تاريخية انتقالية صعبة تلت مباشرة نجاح الثورة وسقوط الشاه ، وقدرته الكبيرة على السير بالبلد وشعبه إلى بر الأمان ، وتحقيق الأهداف التي قامت على أساسها الثورة في إيران ، بدل أن يتولى شباب متحمس إدارة تلك المرحلة الانتقالية وتكثر الاعتراضات عليه ..
في كل الأحوال تبقى ثورة إيران خدعة كبيرة وقع بها الشعب الإيراني ولا ندري كم من التكلفة البشرية والمادية يجب أن تُدفع حتى يتم تصحح مسار هذه الثورة ، للبلوغ إلى النتيجة الحقيقية التي شاء الشعب الإيراني أن يقوم بها ضد الظلم ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق