الثورة
الايرانية ..
علة
المنطقة العربية
مع اتضاح ما يجري في المنطقة العربية
وظهور هذا الاستنفار المذهبي والطائفي الذي قل مثيله في التاريخ المعاصر ، ومعرفة
أبسط الناس لأسبابه ، فقد لا اجد من يخالفني الرأي لو قلت ان المنطقة العربية كانت
أفضل حال ، وأكثر استقرارا على كل الأصعدة قبل نجاح " الثورة
المذهبية " الايرانية ،
واسقاطها لحكم الشاه " محمد رضا بهلوي " ، الذي تميز كما هو معروف بقساوة
حكمه وسطوته وظلمه للشعب الايراني ، ولعل الأهم حينذاك تهديده الدائم لدول
الخليج من خلال دوره الإقليمي كـ " شرطي للمنطقة " ،
واعتداده بهذا الدور ، الذي كان مدعوماً من الغرب وأمريكا ، والتعاون الاستراتيجي
مع الدولة الصهيونية " اسرائيل " .. !
الا أن الحال مع سوء ما كان عليه ..
رأيناه يعتل ويتردى أكثر بعد سقوط حكم الشاه " بهلوي " ، وبدت
عوارض هذا الاعتلال والتردي تظهر ليس في ايران فقط انما في عموم المنطقة ،
فـ " ظهرت
علة العلل في المنطقة .. ومرضها المستعصي على العلاج "
وقيام ما يسمى بنظام " ولاية الفقيه " بعد اعلان نجاح " ثورة
الخميني المذهبية "
عام 1979 ، موشر خطير
يؤشر على دخول المنطقة في موت سريري ، وانتشار فيروس المرض الجديد ليس في
المنطقة فحسب ، وانما في عموم مناطق العالم ..!
الذي أعرفه أن شعوب المنطقة كانت مسرورة للشعب الايراني
بنجاح ثورته ، وسقوط عرش الشاه البهلوي الاستبدادي الظالم ، وانتهاء دور شرطي
المنطقة المرعب ، واستبشرت المنطقة وشعوبها مع الايرانيين خيراً بقدوم ذاك العجوز
الملتحي بلحية بيضاء ترتخي على صدره ، والمعمم بعمامة سوداء ، صاحب الهيئة الوقورة
.. القادم من التاريخ الإسلامي .. وهو يقول " لا اله الا الله " أو هكذا
كان المعتقد ..!
لكن المفاجئة كانت على عكس ما اشتهت
ايران والمنطقة ، اذ اعتقد الشعبين الايراني والعربي أنها تخلصت من سيء لتصدم
بحقيقة أنها وقعت في الأسوأ ، ومن هيمنة شرطي مرعب لتواجه مجرما قاتلا أكثر لؤما
ورعبا من سابقه يعتبر أن كل من لا يواليه ويقف في صفه " ناصبي
" مذنب حل
دمه فوجب قتله وفق فهمه ومبدأه المعروف الذي عبّر عنه بالقول " إن
كان مذنب نال جزاءه والبريء عجّلنا له الجنة " ..!
اليوم أينما يوجه احدنا وجهه في المنطقة
سيجد لـ " المذهبية
الخمينية " يد تعبث
بعموم الاقليات الشيعية ، ومن خلالهم وبهم يتم تأزيم المنطقة ، بحجة حمياتهم ، وشد
اليها طائفياً أبناءها ، باعتبار انها السند والمدافع عن وجودها من تهديد مفترض من
الاكثرية السنية الغالبة على النسيج الاجتماعي في المنطقة ، فقد عمل "
الخميني " وقبل
نجاح ثورة المذهبية على مدى عقود من الزمن على ايجاد هذا الهاجس زورا وبهتانا
وافتراء ، وللأسف ربط كل ذلك بتخوفه من " همجية الاكثرية "
التكفيرية .. !
المهم والواضح للجميع وما تدلل عليه الشواهد ، أن الثورة
المذهبية الايرانية جاءت لتعيد احياء الثقافة الصفوية البائدة من جديد ، وبشكل
ربما أكثر بشاعة مما كانت عليه سابقتها التي قامت على يد " اسماعيل
الصفوي " في نهاية
القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر من القرن الماضي ، يعني أكثر من
اربعمائة عام لم تكن كافية لوأد المذهبية في العقل الفارسي الشعوبي المريض ونسيان
الماضي بما له وما عليه ، على العكس من ذلك وجدنا أن المذهبية كبرت وتضخمت واتسخت
أكثر في نفوس " الآيات " وصارت أقبح مما يتصورها عقل بشري
يعيش في هذا القرن من الزمان .. !
والثورة المذهبية الخمينية .. كأي ثورة بحاجة الى وقود
لاستمرار حركتها ، وبالتالي لم يكن أفضل وأسهل لهذه الثورة من الوقود "
الطائفي " لدفعها
باتجاه هدفها المرسوم ، فتم استحضار كل الاحقاد والضغائن والثارات القديمة لتعزير
" حكم
ثيوقراطي "
متخلف اساطيري خرافاتي ينظّر له ويقوده مجانين لهم هدف واحد ووحيد ، وهو
الانتقام من العرب والتسيد عليهم ، والسيطرة على مقدراتهم تحت عنوان اخوة الدين
الواحد ..!
أخيرا يمكنني القول أن ما فعلته الثورة المذهبية الايرانية
.. هي أنها استثارت الاقليات الشيعية في المنطقة ، ولعبت عليها وبها ، وربط مصير
المنتمين لها بمصيرها ، ودعمتهم وقوّتهم مادياً ومعنوياً على اسس مذهبية ، وحرضتهم
على التمرد على ثقافة مجتمعاتهم والتصادم ما امكن مع الدول التي يعيشون بها
للتغيير الذي يخدمها ، حتى لو أدى ذلك الى نسف تلك المجتمعات من اساسها أو تدمير
الدول التي تضمها عن بكرة ابيها ، بدون مراعاة لا لدين ، ولا لجيرة ، ولا لقيم ،
ولا اخلاق ، انما فقط لهدف واحد ووحيد هو الانتقام من العرب والعروبة ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق