.. الاستدمار الداخلي ..
حاولت أن اجتهد بعض الشيء في وضع تعريف لحال قائم ، لكن قبل التعريف به كان لابد من تسميته ، ومن ثم محاولة تفسيره ، ولم أجد تسميته له أفضل من كلمة " الاستدمار " الذي أرى أنه حالة كانت قائمة فعلياً في بلدنا ، و" الحالة الأستدمارية " هذه معالمها السياسية والاجتماعية والثقافية كانت واضحة كل الوضوح ، حيث ظهرت لنا في سوريا بُعيد تسلم " عائلة الأسد " الحكم عنوة ..
وتشتمل هذه الظاهرة فيما تشمل على العمل الحثيث بواسطة أدواتها على إعادة تشكيل المنظومة الثقافية للمجتمع ، وجعله أكثر ارتباطاً بأفراد " السلطة " الحاكمة ، ونحن نؤكد على محاولاتها التي ربما نجحت في كثير من الأحيان في التدخل والتغلغل في كل مفصل من مفاصل المجتمع بٌغية السيطرة عليه ، وذلك عن طريق فرض أو نشر أو تلويث الثقافة " الوئامية " القائمة في المجتمع السوري ، ونشر بدل عنها ولو بشكل مستتر ومغلف في بعض الأحيان للغة طائفية ومذهبية مستفزة ومنفّرة ، وإعلاء بطريقة أو أخرى طائفة أو قومية على أخرى اكبر منها عددا واعرق منها حضارة ، والتشكيك بكل ما يتصل بتاريخ تلكم الأعرق ، وذلك بقصد إجبارها على الركون والانصياع للوضع المراد تكريسه ، ودفعها وربما ردعها لعدم التفكير أو الاعتداد بمسألة الكثرة .
وبالتالي يسهل عليها تقسيم المجتمع الواحد ، وترهيب مكوناته من بعضها البعض ، وزرع الهواجس فيما بينها ، وهذا ربما يتوافق في العادة مع مثل تلك تفكير القوة العسكرية المتحكمة في النسيج الاجتماعي ومفاصلة ..
فالحالة الاستدمارية هذه بحسب ما أعتقد تهدف إلى بقاء سيطرة السلطة المستقويه بجيشها وأمنها وشبيحتها على شعبها المكبوت والمقهور ، وإبقاء نفوذها مع المرجعيات الاجتماعية لاستمرار ما تفترض أنها شرعية لها ، واستغلال خيرات البلد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وبقاء النهب والسلب المنظم لثروات الشعب السوري ، فضلاً عن تحطيم كرامته ، وتدمير تراثه الحضاري والثقافي ، وفرض ثقافة جديدة ، واعتبارها الثقافة الوحيدة القادرة على نقل الدولة المستَدمرة نقلة حضارية .
فهذه الظاهرة التي حاولتُ أن اعبر عنها بمصطلح " الاستدمار " ربما أول ما بدأت بتقديري الخاص في التشكل في سوريا وان بشكل تدريجي كان مع اغتصاب " حافظ الأسد " للسلطة بعد انقلابه الذي سماه " الحركة التصحيحية " ، في سبعين القرن العشرين ..
و" الاستدمار " مشتق من كلمة دمار ، و الكلمة تعتبر سيئة وقبيحة ، وجاءت من فعل دمّر أي هدم .. (بناءً ) أو (حقلا ) أو (مصلحة ) ومنها ( الدمار ) عكس " العمار " التي تصف حالة من التطور في مكان ما ..
أخيرا لابد من التنويه بأن حرف السين يعني أن المستدمر يدمر أو يهدم ذاته أو يستقدم أو يستجلب التدمير له وللآخرين .. ونستطيع القول أن " سوريا بسلطتها القائمة " عاشت ولا زالت تعيش حالة من الاستدمار المنظم والممنهج والمقصود ، وضربة الفأس الأولى في جسم هذا البلد ، ربما بدأت فعلياً بتقديس شخص الزعيم أو الرئيس ، وإنشاء ثقافة " القائد الملهم والأبدي " الناظم والضامن لكل مكونات الشعب في سوريا ، للتغطية والتعمية عن كل الموبقات ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق