( إذا وضعنا نِعَم الله في كفة والولي الفقيه في كفة أخرى لرجحت كفة الولي الفقيه )
أثارت تصريحات ( آية الله أحمد جنتي ) في خطبة من خطب الجمعة ، الكثير من الجدل في الأوساط الإعلامية ، حينما صرح أن من ينكر الولي الفقيه فكأنما أنكر وجود الله ذاته، معتبراً أن ولاية الفقيه ركناً أصيلاً من أركان الإسلام ، فلا صلاح للعالم إلا به، ومن ينكره أو يتجرأ على مجرد التفكير أو التشكك في مكانته يخرج من الملة مباشرة.
فولاية الفقيه من ولاية الله، فلا ولاية لأحد بعد وفاة النبي على الأمة إلا للولي الفقيه خاصة في فترة الغيبة للإمام المهدي ...
رغم أن لهذه التصريحات بعدها السياسي، في محاولة التيار الأصولي المتشدد أن يستعيد قداسة منصب الإرشاد، بعد أن تم تجاوزها من قبل بعض التيارات الموالية للحركة الإصلاحية، بل من قبل بعض قيادات الحرس الثوري الموالين لرئيس الجمهورية ( محمود أحمدي نجاد ) ، وإن كانت بشكل أقل حدة.
إلا أن تلك التصريحات جاءت معبرة عن فكرة أكثر عمقاً تتسق مع البنية الفكرية للشخصية الإيرانية الفارسية من مجرد هتافات السياسية.
(( البعد التاريخي لظل الله على الأرض ))
في مرحلة الدولة الفارسية القديمة أي منذ حوالي الألف الثالث قبل الميلاد ، كانت نظم الحكم الإيرانية تعتمد على فكرة ( الملك/الإله ) ، أي الملك ذا الإمكانيات المقدسة المطلقة، خاصة في فترة الحكم ( الأكميني ـ الهخامنشي )، حيث كان الملك مجسد للسر المقدس الذي منحه تفوقه عن غيره، ورغم أن هذه الفكرة كانت نابعة من فكرة القبيلة المميزة التي استطاعت أن تحكم البلاد ، وتصل بها إلى مرحلة التوسع الإمبراطوري الذي وصل إلى مصر وحدود اليونان القديمة ، إلا أنها قد تطورت لتحمل دلالة الدم الأزرق، فالتفوق السياسي كان بداية التقديس الديني ...
فكان الملك هو المعبود بوصفه نعمة السماء للأرض ، وهو الموكول له صياغة العالم...
أي التوحيد المطلق بين التاريخي والمقدس/ الديني في شخصية الفرد ..
وفي سياق التطور الحضاري ، انسحبت القداسة الدينية من فردية الملك ، إلى الموابذة ( كهان الديانة الزرادشتية ) خاصة بعد اعتماد الأسرة الساسانية للفكر الزرادشتي كدين رسمي للبلاد ، فأصبحت القداسة مصدرها السماء بواسطة النبوة ، ثم الكهان أو السدنة ، الذين أصبح منوط لهم الحالة الدينية كاملة ، وبالتالي تخلصت الحضارة الفارسية في تلك المرحلة من فكرة قداسة شخصية الملك ، وإن لم يكن ذلك بشكل كامل ، فقد ظل للمك قيمته الذاتية التي لا ينافسه فيها غيرة ، ممنوح للقداسة من الكهان وليس هو مصدرها الوحيد ..
ورغم ذلك الانسحاب النسبي ظهر مفهوم أخر أكثر عمقاً وتأثيراً ، وهو مفهوم التقسيم الطبقي ، فقد نالت طبقة الملوك أو الأسرة الساسانية الحاكمة المرتبة العليا في تسلسل الهرم الاجتماعي ، ثم تلاهم طبقة الكهنة أو رجال الدين ، بواسطتهم تُمنح الرعية للحاكم ، ثم الحرس الملكي أو الجيش المقدس ، ثم عامة الشعب ، وظلت كل طبقة مغلقة على نفسها ، ولا تسمح بتسلل أي عنصر دخيل من أي مرحلة اجتماعية أخرى.
الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن ذلك التقسيم الثلاثي الأبعاد ، الذي يبدأ بالحكام ، ثم رجال الدين وصولاً للحرس المقدس ، ظل هو القائم منذ الدولة الساسانية ، وصولاً للعهد البهلوي الذي سبق الثورة الإسلامية مباشرة ، وذلك على اختلاف أسماء الأسر الحاكمة واختلاف الديانات.
حتى تم التطور المدهش الذي قام به ( الإمام الخميني في نظرية ولاية الفقيه ) ، وهنا اندمجت طبقتان رجال الدين وطبقة الحكام، فالحاكم هو رجل الدين ، يُكسب لنفسه مشروعية الحكم أو الملك ، وقداسة الوجود الاجتماعي.أي العودة إلى أصل الفكرة التاريخية وهي عبادة الفرد ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق