السلفية المدسوسة في الثورة السورية
بين التحذير الساذج من خطرها والتحريض
المفضوح عليها
استوقفتني مفردة " سلفية "
وكيف صارت الاعلام الرسمي يتداولها وبشكل أنقطع نظيره ، وتساءلت .. لماذا
دست السلطة الحاكمة في سوريا بـ " السلفية "
في أتون المعركة
التي بدأتها هي مع الشعب السوري الذي في الأصل ما
كان يطالب بأكثر من مطالب مشروعة طبيعية ومحقة وليست صعبة أو مستحيلة ، وهذا
ما يؤكده إقرار رئيس السلطة نفسه " الأسد الصغير "
وعلى لسانه شخصياً في مجلس الشعب السوري ..؟
ثم
لماذا يا ترى " السلفية " بالتحديد والتي أعتقد
انها وان دُسّت بخبث في مكان ليس مكانها وبيئة ليست بيئتها ، الا أنها بكل
المعايير تعتبر مفردة غريبة كل الغرابة على مجتمعنا السوري ..!؟
هذا
ما كان يجب على كل مهتم منا معرفة أسباب هذا الدس ..!
فلو
تم استخدام بدل عنها " الإخوان المسلمين
" على سبيل المثال ، لكان الأمر مفهوما لنا ، وأدركنا أن المسألة في نظر السلطة ، هي مسألة ربط بين
الماضي والحاضر في التاريخ الدموي السوري ، وأن ما كان قد حصل في الماضي ، اليوم يتكرر بنفس الأدوات
والاهداف ..!؟
الواضح
لي أن السلطة التي تم تأسيس قواعدها على " الفئوية الطائفية
" قررت توجيه التهمة الموصوفة بالتمرد على الدولة للأكثرية " السنية المهمشة والمغيبة " أصلاً عن القرار وربما
أي دور لها في البلد له أهمية تُذكر ، سواء كان هذا الاتهام تصريحا أو تلميحا ،
ووصمها بالتآمر على خطها التي أوهمتنا بأنه الخط " المقاوم
والممانع " ، والأكثرية هذه بطبيعة الحال كما سبق وذكرت هي المكّون
الأكبر لنسيج المجتمع السوري الرافض لهيمنة أي مكون على البقية بدون وجه حق ، ونهب
خيرات البلد تحت أي مسمى كان ، أو رهنه لمصالح خارجية تسيء للبلد وأهله وتاريخه تحت
وبحجة هذا العنوان الوهم الذي يسمى " المقاومة
والممانعة ". .
فدهاقنة
السلطة الحاكمة اعتبرت وأوهمت البعض بأن " السلفية
" هذه أس المشكلة وأساس البلاء في كل ما جرى في سورية ، وبالتالي هي
المحرك الرئيسي والأساسي لثورة الشعب ، وهي المحرضة الأبرز على ديمومة الثورة
واستمراريتها التي ما بدأت تطالب في البداية بأكثر من قليل من حرية وشيء من الكرامة
..
هنا
نتساءل هل جاء الزج بها في أتون هذه المعمعة على محمل التحذير من خطرها للعالم
الغربي " المكتوي من نار قاعدتها " ، أم
هو تحريض الأقليات السورية على الحاضن المفترض لها أتباع " المذهب السني " ، أو المذهب الإسلامي الأكبر في
سوريا الذي قامت من بيئته الاحتجاجات ، ومن ثم التخويف من مستقبل غير محمود ولا
امن لهم في حال تسلم اتباعه الحكم ، اذا ما سقطت الأقلية الحاكمة اليوم ، التي تدعي لديمومتها في الحكم أنها حامية
الاقليات ليس في سورية فقط بل في المنطقة ، بالتالي دفع المنتمين للأقليات لرفض الثورة ومبادئها ،
والوقوف مع حاميتهم المفترضة .. !؟؟
هنا
لابد لنا أن نذكّر .. مع تسليط قليل من الضوء على "
السلفية " التي ما من شك بوجود كثيرين يومنون بها ولو بدرجات متفاوتة
بيت التسامح والتشدد ، ويعتبرونها تيار إسلامي ومدرسة فكرية سنية تدعو للعودة
إلى " نهج السلف الصالح " وما نقله
التاريخ لنا عنهم وعن قيمهم ومبادئهم واخلاقهم العالية ، ويتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل ، بصرف النظر عما اذا كنا مع أو ضد ..!
لذلك
كان دس هذه المفردة " الارهابية .. الاجرامية أو .. السلفية
" في الزمان والمكان والموضوع يعتبر عملياً هو هجوم طائفي أقلوي استباقي منظم
وبامتياز تجاه الاكثرية ، وهذا أمر في غاية الخطورة ، وما كان لإنسان سوي وعاقل
ويتبع لأقلية تعيش وسط اكثرية أن يخطر بباله مثل هذه الفكرة في بلد مثل سوريا إذا
ما كان يسعى إلى تعايش حقيقي مع محيطه ، لأن فكرة زج مفردة تتبع وتربط حصراً بالأكثرية
السنية وليس غيرها ، هو بحد ذاته " إبداع فتنوي طائفي قاتل " ، وتفتق ذهن اقل ما يمكن أن يقال عنه انه "
ذهن مجرم سافل منحرف " نادر الوجود ، فهل في السلطة القائمة اليوم في
سوريا .. من يملك مثل هذا الذهن ..!؟
الأكيد
..نعم ..!
وربما
يقول اخر .. وما أكثرهم .. !
ان
استخدام مفردة " السلفية " بطبيعة الحال لم يأتي عرضياً أو اعتباطياً ، أو
محض الصدفة ، كما يتصور البعض ، بل مقصودا ومتعمد ومدروس ، ووراء الاستخدام نية مبيته
طائفية لخلط الأوراق ، ومحاول انتحارية لمنع سقوط السلطة الحاكمة ودهاقنتها ..
ان
ما كان متوقعا من السلطة أن تزج به في هذه المعمعة المصيرية ، ليكون أكثر إقناعاً
لبعض المغيبين عن الحقيقة ، وما هو اقرب للمنطق والتصديق ، وما يمكن أن يُربط بالذاكرة
السورية ، هو تنظيم الإخوان المسلمين ، وليس التيار السلفي أو " السلفية " ، لما لهذا التنظيم من تاريخ معروف ومتداول .. !
سيما
وأن السلطة القائم اليوم هي نفسها اصطدمت في وقت مضى بشكل مسلح مع " تنظيم الإخوان المسلمين " حينما كان يدير المعركة مؤسسها " حافظ الأسد " ، في نهاية السبعينات وبداية
الثمانينات من القرن الماضي ، حيث كان لهذا التنظيم أرضية أوسع في النسيج
الاجتماعي السوري ، أو هكذا حاولت السلطة فيما مضى ، ومؤرخيها أن تدعيه ، وهذا
أيضا ما دونته في كتبها التاريخية المعاصرة ..
فتداول
مفردة " السلفية " ، والإصرار على وجودها كمحرك للثورة السورية ،
جاء على ما يبدو برغبة جامحة من " السلطة العائلية
الفئوية الأسدية " المتمترسة خلف الطائفة " العلوية " التي تنتسب لها ، لكن يبدو أنه دسها تم وان
كان بنية خبيثة الا انه على شيء من العجل بين زحمة المفردات الاتهامية التقليدية
المستخدمة ، ليتم تعميمها لتصبح " لازمة شاذة "
على ألسنة أبواق السلطة وفي الإعلام " الوقح والسخيف
" التابع لها لاتهام العرب السنة في الوقوف ضد السلطة لكونها " غير سنية " فقط ، متناسين من هم في السلطة أن الظلم
والقهر والاستبداد هو الذي من حرك الثورة وليس دينها او مذهبها او طائفتها ...
لقد
وجدت السلطة الحاكمة أمام الضغوط الغربية والدولية الكبيرة أن اللعب على وتر " الإرهاب السلفي المندس " هو الأجدى والأنجح
في هذه المرحلة ، فتوجه وبطريقة ماكرة ، وخبيثة ، رسائل تحذيرية للغرب المتخوف قبل
العرب المتردد ، والخارج الغير مسلم قبل الداخل سواء كان الطائفي المذهبي أو
الفئوي الأقلوي ، من أن هناك تماهي عقائدي بين "
السلفية " الإرهابية المزعومة والأكثرية السورية الثائرة " السلطة ورئيسها " الذي هو بطبيعة الحال البلد وما
فيه ، وأن الرابط بينهما هو رابط مذهبي مريض مدعوم من محيطه " المتأمرك " ، والتابع للامبريالية والصهيونية
العالمية ، وعلى رأس هذا المحيط " السعودية "
الأم والحاضنة لـها .. والمعادية تقليدياً لكل سلوكيات النظام الأقلوي الإجرامي الذي
قام على قهر ليس الأكثرية في سورية بل قهر المنطقة كلها لمدة زادت عن الأربعين
عاما . .
وبهذا
" الربط ألاتهامي " .. ومن خلاله سيبدو
الشعب السوري وخصوصا منهم الطبقة الثائرة أدوات " لأجندات
خارجية " تستهدف " الدور الكبير "
الذي تقوم به " سورية " أو السلطة
الحاكمة في المنطقة كما تدعي ، ما يجعل التخلص منهم ، والقضاء عليهم أمر مشروع
دوليا ، وواجب وطني مقدس يستقطب السوريين ، ويجعلهم يلتفون حول تلكم السلطة دفاعا
عن الوطن المهدد من قبل هذه " السلفية "
الغازية المزعومة ، باعتبار أن الوطن هو
السلطة ورئيسها فقط ..!.
إن
مفردة " سلفية " مفردة خطيرة ومرعبة ، وهي
بدون أدنى شك قادرة على تجميع وتجييش واستنفار الأقليات الدينية والمذهبية التي هي
جزء من نسيجنا الاجتماعي مع من يقف ضدها وضد كل من يتبناها أو حتى ينطقها ، خصوصا إذا ما
اذا كان دسها لها الغرض وفي وقت عصيب كالذي تعيشه سوريا اليوم ، ما قد تدفع غرائز البعض رهبة أو رغبة
إلى الوقوف خلف من يحميهم منها ، ويتمسكون بحاميهم منها والواقف بوجهها ، وهذا الذي
عملت عليه السلطة الحاكمة في دمشق منذ اليوم الاول للاحتجاجات الشعبية . .
وإلا
ما معنى أن تستحضرها اليوم وهي غير موجودة بالأصل في مجتمعنا السوري ، وان وُجدت
فلا تأثير لها يذكر ، إلا فقط لدفع بقية المكونات الاجتماعية الأخرى للوقوف مع
خط ونهج السلطة ، خشية الإبادة المتخيلة كنتيجة محتومة لسقوطها من قبل الاكثرية ..!؟
في
النهاية أنا ممن يرى في استخدام مفردة " السلفية
" ودسها في مفاصل الثورة على
الرغم من مشاركة مختلف الأديان والطوائف والقوميات المكونة للنسيج الاجتماعي
السوري فيها ، نوع من التحقير لشعب ثار على الظلم والاستبداد والقهر ، بصرف النظر
عن مرجعياته ، وتسخيف متعمد لمطالبه المحقة ، وهي مفردة اعتراضية غريبة ، لا محل
لها في الواقع السوري ، برغم الإصرار الغير مبرر من قبل مجرمي السلطة على
استخدامها منذ الأيام الأولى لثورة الحرية والكرامة .
إن
قيادات العالم المتمدن والمتحضر والحر اليوم وان كانت عاجزة عن التحرك ، لا أعتقد
أنها تصدق الرواية الرسمية بأن " السلفية "
هي المحرك لهذه الثورة الشعبية ، ولا تأخذها على محمل الجد الا بما يخدم مصالحها
فقط ، لأنها تدرك بُعد استخدامها الواضح والمحسوس ، وخلف الابواب المغلقة لصنّاع
القرار وما يدور فيما بينهم اعتقد أنهم لا يرون من هذا الاستخدام ، إلا حجة مكشوفة
يوما بعد يوم للدفاع عن الوجود والتملص من العقاب ، وهذه الحجة سيظهر ضعفها ووهنها
أمام السلطة نفسها ان لم يكن قد ظهر ..!
لكن
هل ستنجح السلطة الحاكمة في دمشق بإثبات ما تدعيه في هذا النزاع من أن " السلفية " هي محرك الثورة السورية ، لتنجو بأفرادها
وتاريخها الأسود من حتمية المسائلة والمحاكمة ، وأنها بهذا الادعاء تزيد التأزم مع
المحيط السني ، لتساوم على تسوية ما للإفلات من حكم الشعب العاجل والعادل ..!!؟
هذا
ما ستحمل إجابته الأيام القادمة ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق