إخواننا العلويين
ما وددت أن أقوله لكم
ما يُفترض أن يكون معروفاً عند الإخوة العلويين ، وما وددت أن أقوله تذكيراً لهم به بكل محبة وتقدير ، أنه حين وصل "حافظ اﻷسد " إلى حكم سوريا بانقلاب عسكري في العام 1970 وقبل أن يتم انتخابه رئيساً للجمهورية ، تواردت أخبار بأنه اجتمع بوجهاء الطائفة العلوية وصارحهم بنيته الوصول لمنصب الرئاسة الممنوع عليه أصلاً وفق الأعراف السائدة حينذاك ، وقد نما لعلم بعض المطلعين أن هؤلاء الوجهاء قابلوا هذا الصعود الصاروخي المتهور لابن " قرية القرداحة " بالكثير من التوجس بل وبالرفض ،و الحقيقة في الأمر أن وجهاء الطائفة كانوا يخشون من أن تدفع الطائفة بمجملها في النهاية ثمن طموحات حافظ اﻷسد الرعناء رغم تطمينات هذا اﻷخير لهم ..
وعلى ما يبدو أن هؤلاء الوجهاء كانوا ممن لم ينسوا كيف أن فرنسا " خذلتهم " بعدما رفضت طلبهم وانصاعت ، وفق رأيهم ، لضغوط اﻷغلبية السنية في سوريا ، وتراجعت عن مشروع إقامة دولة علوية على الشاطئ السوري ، باختصار شديد وفق ما نقل هم خافوا من وضع الطائفة فيما بعد في " فم المدفع " ..
واعتبروا أن فشل مشروع الدولة العلوية في الثلاثينات من القرن الماضي الذي حاول البعض منهم السير فيه ، والدور المتواضع الذي لعبته الطائفة فيما بعد الاستقلال السوري كردة فعل طبيعية ، جعل من الانتماء للطائفة العلوية رديفاً للحس اﻷقلوي المريض في أقل اعتبار، وللخيانة والعمالة بحسب البعض في أسوأ تقدير ، مع ذلك ، نجح الكثيرون من العلويين في الاندماج في المشروع الوطني السوري فيما بعد ، وفي التماهي مع التيار العروبي والانخراط في النسيج السوري العام ، بما خفف من غلواء النزوع اﻷقلوي في الطائفة التي احتلت موقعها الطبيعي كجزء رئيس من مكونات الشعب السوري الأساسية ، لدرجة أن هذا الانخراط سمح بوصول ابن الطائفة " حافظ اﻷسد " إلى منصب الرئاسة دون عقبات تذكر ، ودون اعتراض يُذكر ، باستثناء ربما موقف اﻹسلاميين المتشددين الذين مانعوا في وصوله للسلطة ، بغرض حصر السلطة في يد المسلمين السنة باعتبارهم الأكثرية ، وليس فقط لأنه علوي ، بدليل القبول الذي لاقاه " اﻷسد " بعدها من قبل كافة مكونات المجتمع السوري..
وعلى ما يبدو فان وجهاء الطائفة العلوية الذين اعترضوا على وصول" حافظ اﻷسد " للسلطة كانت لديهم أسباب وجيهة ، ونظرة ثاقبة للأمور ، أثبتت صحتها اليوم ..
لقد فشل وجهاء الطائفة العلوية في مسعاهم للحد من غلواء واندفاع " حافظ اﻷسد " ﻷن هذا اﻷخير ، كان قد استبق اﻷمور منذ وصوله إلى وزارة الدفاع عام 1966. في حينها بدأ في تطبيق " سياسة خبيثة " تهدف إلى قلب موازين القوى داخل الطائفة العلوية نفسها أولاً ، فعمل على تقوية التماسك الداخلي لدى أتباعه من أفراد الطائفة ، وذلك عبر جعل هذه الطائفة تبدو "حامية " لفكر العروبة والتقدم ، بحيث يتم نفي وجود الآخر " غير العروبي " وغير " التقدمي " ، وبشكل تدريجي نجح اﻷسد في تهميش وجهاء الطائفة ، وإلباسهم ثوب الانعزالية والرجعية ، تماماً كما حارب الفكر اﻹسلامي بكل أطيافه على اعتبار أنه رديف " للعمالة للخارج " و " للرجعية " ومعادياً للفكر العروبي التقدمي والتحرري ..
لذلك وحتى ينجح في قلب موازين القوى داخل الطائفة ، كان لابد " حافظ الأسد " من الاستعانة بشبان علويين طموحين راغبين في الخروج من عزلتهم وقراهم بأي ثمن ، ومن الباحثين عن النفوذ ، ومتع الحياة وملذاتها ، واهتم أكثر بالغير مبالين منهم بالقيم التي حفظت توازنات الطائفة ، وضمنت وجودها عبر قرون من الزمن ..
لذلك مع المئات من الوصوليين ، أنشأ " حافظ اﻷسد "، مؤسس العصابة الحاكمة في سوريا لعقود من الزمن ، طبقة من ما يشبه الارستقراطيين ، أو" النبلاء " العلويين الذين احتلوا كل مفاصل الجيش وأجهزة اﻷمن وحتى الاقتصاد ، هذه الطبقة هي التي أصبحت العمود الفقري والذراع الضاربة للعصابة الحاكمة في سوريا اليوم ، وهي نفسها التي تمكنت من تهميش الوجهاء العلويين التقليديين ..
للأسف الشديد نقولها ، ولربما يعرف الكثيرون من أبناء الطائفة العلوية الكريمة ، أن هذه الطبقة " الارستقراطية " لم يكتفي بوضع اليد على الجيش والأمن ومقدرات الدولة ، بل أرست علاقات تجارية مع قسم من طبقة البرجوازية السنية في المدن السورية الكبرى ، لمصلحة الطرفين ، وقام الكثير منهم بالزواج والمصاهرة من الطائفة السنية وغيرها ، ليس بهدف الاندماج في المجتمع ، وهو هدف نبيل بحد ذاته ، لكن بهدف بناء علاقات مصلحيه عابرة للطوائف ، القاعدة التي بها أصبحت تشكل حالياً النسيج العصبي لنظام بشار اﻷسد ..
اليوم .. لا اعتقد انه يختلف معي الكثير من إخوتي في الطائفة العلوية الكريمة ، أننا بعد الثورة ، والدم الغزير الذي سال ، تبدو الأمور وكأننا متجهين إلى صراع طائفي وجودي بين اﻷكثرية السنية المغبونة ومن يلتحق بها ، يوما بعد يوم ، من الأقليات التي بدأت تعي ضرورة المحافظة على مصالحها التاريخية ، ولعدم إمكانية استمرار تحالفها مع العصابة الحاكمة في دمشق ، وضد نظام العائلة المحمي بطائفة علوية خائفة ومحاصرة ، ترافقها وتحتمي بها فلول البرجوازية العابرة للطوائف والتي تمادت كثيراً في التماهي مع نظام اﻷسد ، وهذا بالقطع ما لا نتمناه ، ولا يتمناه السنة أيضاً ، وان كنا للأسف الشديد نراه ماثلا أمامنا إذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه ..
وعليه فان هذا الاصطفاف الطائفي يبدو أنه في مصلحة تعميق الترابط العضوي بين العصابة الحاكمة في دمشق مع نظام " ولي الفقيه " في طهران وميليشيات " حسن نصر الله " المسلحة في لبنان ، هذه الميليشيات الباحثة عن مقاومة تتلحف بها..
في نفس الوقت تجد إسرائيل حامية نظام بشار اﻷسد مصلحة مرحلية في استمرار الصراع في سوريا ، وخاصة إذا ما تحول إلى نزاع طائفي مفتوح ، فيه كل ما ترغب تتمنى ..
إذا كان في دوام القتل في الشام مصلحة ﻹسرائيل ، فاﻷخيرة ليس لها مصلحة في انتصار محور ما يسمى " الممانعة " ولا في عودة بشار اﻷسد إلى سابق قوته ومكانته ، ﻷن هذا النصر سيكون إيرانياً بامتياز التي تواجه بأدواتها في المنطقة وعن بعيد ، وهذا ما سيخل بتوازن القوى بين إسرائيل وإيران في المنطقة لصالح اﻷخيرة ، التي تركض لاهثة وراء سلاح نووي يضمن دخولها إلى نادي الكبار من الباب الواسع ..
إذا كان في دوام القتل في الشام مصلحة ﻹسرائيل ، فاﻷخيرة ليس لها مصلحة في انتصار محور ما يسمى " الممانعة " ولا في عودة بشار اﻷسد إلى سابق قوته ومكانته ، ﻷن هذا النصر سيكون إيرانياً بامتياز التي تواجه بأدواتها في المنطقة وعن بعيد ، وهذا ما سيخل بتوازن القوى بين إسرائيل وإيران في المنطقة لصالح اﻷخيرة ، التي تركض لاهثة وراء سلاح نووي يضمن دخولها إلى نادي الكبار من الباب الواسع ..
إن اعتماد " بشار اﻷسد " ونظام حكمة وزبانيته على الغطاء والدعم اﻹسرائيلي القوي لا يضمن النصر لهم ، ولكنه يضمن استمرار نزيف الدم السوري إلى ما شاء الله ، نزيف الدم هذا يصيب نسبياً الطائفة العلوية ربما أكثر مما يصيب غيرها ، صحيح أن لا مساواة بين الشهيد الذي يقضي في انفجار برميل ناسف وبين القاتل الذي يلقى جزاء فعله ، لكن اﻹثنين في النهاية هم سوريان ومستقبلهما يجب أن يكون مشتركاً ..
باعتقادي أن جل الطائفة العلوية الكريمة بدأت اليوم تتلمس حقيقة أن " عائلة اﻷسد " التي أفرغت الطائفة العلوية من حكمائها وعقلائها وهمشتهم ، ستجد نفسها في موضع من يقرر مصير كل الطائفة وليس فقط مستقبل حكم عائلة اﻷسدية ، والصراع بين آل الخير وعثمان من جهة وآل اﻷسد وشاليش من جهة أخرى ليس دليلاً على انشقاق في الطائفة ، بقدر ما هو دليل على إفقار هذه الطائفة وافتقادها للصوت العاقل والحكيم ، وربما أكثر من باقي أطياف المجتمع السوري ، ولنتذكر أن الخلاف الذي وقع في القرداحة ليس على مستقبل نظام القمع القتل والتحكم الطائفي بقدر ما هو انزعاج بسبب القبض على الدكتور المعارض " عبد العزيز الخير " وعلى سوء إدارة بشار الأسد للأزمة ، وارتفاع الكلفة البشرية للصراع على أبناء الطائفة ، وهذا لا يكفي لاعتبار موقف المعارضين للأسد في القرداحة " وطنياً " ولا حتى مسئولا ، يبقى السؤال مشروعاً عن مستقبل الطائفة العلوية في الكيان السوري ، سواء بقي بشار اﻷسد أو زال ..؟
يدرك إخوتنا في الطائفة الكريمة أن بقاء بشار اﻷسد في السلطة ، هو وصفة لاستمرار القتل ، وتجذير للصراع الطائفي ، بما يدمي الطائفة العلوية أولا ، وربما ﻷجيال مقبلة ، وقد يهدد وجودها بأكمله ، أما سقوط النظام دون وجود قوة على اﻷرض ، سواء كجيش وطني حر تحت قيادة موحدة وملتزمة أو قوات حفظ سلام ، تضمن وحدة اﻷراضي السورية وأمن السوريين فهو أشبه ما يكون بـ" صوملة " لسوريا ستستمر فيها تصفية الحسابات بين طائفة الرئيس القاتل من جهة ، وضحاياها وأعدائها الكُثر من جهة أخرى ، ونتيجته لن تختلف جذرياً عن كارثة بقاء نظام بشار اﻷسد ..
فكل يوم يمر والوضع هكذا ، يزيد من الطين بله ، فعدد السوريين المهجرين داخل وخارج سوريا حاليا هو أكثر من ضعفي تعداد الطائفة العلوية كلها ، وهؤلاء لهم حسابات قديمة ومتجددة مع النظام والطائفة المتماهية معه لن يتم نسيانها بسهولة ، لكن هناك خياراً آخر ، وأمل معقود لا زال قادراً على قلب المعادلة الدموية ، هو أن يأخذ الآلاف من إخوتنا العلويين اﻷحرار ، ضباطاً وجنوداً رأس المقاومة لنظام حكم العصابة التي يقودها اليوم بشار الأسد ، وينشقوا عن الحلف الجهنمي " بشار اﻷسد وإسرائيل وإيران وميليشيات حسن نصر الله المسلحة في لبنان " ، والذي يدفعون ثمنه من دمائهم بغرض استمرار " آل اﻷسد ومخلوف وشاليش " في نهب البلاد والعباد ، بدل أن تأتي قوات الناتو أو حتى قوات عربية لنصرة السوريين ، فما الذي يمنع هؤلاء الضباط والأكيد إن أكثرهم من الشرفاء والانضمام للثورة مع إخوانهم ضد نظام الطغيان وليس الطائفة ..!؟
هؤلاء الشرفاء الذين لم تتلوث أيديهم بدماء إخوانهم السوريين ، والذين منهم ما هو رمزاً للنقاء والشهامة ، ونظافة الكف ، وهم من يقدر على المساهمة في بناء سوريا لكل أبنائها ، وأن ينتفض من همشهم النظام أو" أخفاهم " لكي لا يعلو صوت علوي شريف على صوت القتلة من آل الأسد ومن يدور في فلكهم ..
بكلمة أخرى ، وباختصار شديد نقول إن الواجب الملقى على كاهل الطائفة العلوية الكريمة وعقلائها هو اﻷثقل ، فعليها أن تختار بين النزوع الطائفي المغلق ، والانجرار وراء بشار اﻷسد في عرس الدم الذي لن ينتهي قريباً ، أو أن تضع انتماءها الوطني أولا ، ومن أجل أن تبقى سوريا لكل مواطنيها ، وفوق كل اعتبار ، وأن تأخذ دورها الذي يليق بها وبتاريخ عظماءها أمثال الشيخ " صالح العلي " وتأخذ مكانها في مواجهة " زبانية آل اﻷسد " من كل الطوائف ، علينا جميعاً ، علويين وسنة ، مسيحيين ودروز ، أن نكون سوريين أولاً، هذا كل ما وددت أن أقوله لإخواننا العلويين بكل محبة وتقدير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق