الثلاثاء، يونيو 28، 2011

السلفية المدسوسة في الثورة السورية

السلفية المدسوسة في الثورة السورية
بين التحذير الساذج من خطرها والتحريض المفضوح عليها



لماذا دست السلطة الطائفية الحاكمة في سوريا بـ " السلفية " أو " السلفية الجهادية " في أتون المعركة التي بدأتها مع الشعب السوري الذي كان يطالب بمطالب مشروعة ، وأقر بمشروعيتها لاحقاً رئيسها الأسد الصغير وعلى لسانه..؟

ثم لماذا هذه " السلفية " والتي دُسّت في مكان ليس مكانها وبيئة ليست بيئتها ، وهي الغريبة كل الغرابة على مجتمعنا ، فلو تم استخدام بدل عنها " الإخوان المسلمين " مثلاً ، لكان الأمر مفهوما ، وأدركنا مسألة الربط بين الماضي والحاضر في التاريخ الدموي السوري ، مع أن كليهما واحد وهو إسلامي ..!؟
الواضح أن السلطة التي أسست قواعدها على الطائفية قررت توجيه التهمة الموصوفة بالتمرد على الدولة باتجاه الأكثرية المهمشة والمغيبة أصلاً عن القرار وربما أي دور لها في البلد له أهمية تُذكر ، سواء كان هذا الاتهام تصريحا أو تلميحا ، ووصمها بالتآمر على خطها التي أوهمتنا بأنه الخط " المقاوم والممانع " ، والأكثرية هذه بطبيعة الحال كما سبق وذكرت هي المكّون الأكبر لنسيج المجتمع السوري الرافض لهيمنة أي مكون على البقية بدون وجه حق ونهب خيراته ورهنه لمصالح خارجية تسيء للبلد وأهله تحت وبحجة هذا العنوان .

فالسلطة الحاكمة اعتبرت وأوهمتنا بذلك أن " السلفية " هذه أس المشكلة وأساس البلاء ، وهي المحرك الرئيسي والأساسي لثورة الشعب المطالب بالحرية والكرامة ، والمحرضة الأبرز على ديمومة الثورة واستمراريتها .

السؤال هنا هل جاء الزج بها في أتون هذه المعمعة على محمل التحذير من خطرها للعالم الغربي المكتوي من نارها ، أم تحريض الأقليات السورية على حاضنها المفترض " الشعب السوري " الذي قامت منه الاحتجاجات ، والذي أكثريته يتبع المذهب الإسلامي الأكبر في سوريا ، بالتالي دفعها باتجاه رفض الثورة ومبادئها ، والوقوف مع حاميتهم التي هي بطبيعة الحال السلطة .. !؟؟

هنا لابد  لنا أن نذكّر بماهية " السلفية " التي يؤمن بها البعض ويعتبرها تيار إسلامي ومدرسة فكرية سنية تدعو للعودة إلى " نهج السلف الصالح " ويتمسك به باعتباره يمثل نهج الإسلام الأصيل ، بصرف النظر إن كنا مع أو ضد ، أما " السلفية الجهادية " فهذا مصطلح مختلف وان كان أشتُق من السلفية ..
 فالسلفية الجهادية هي مصطلح يطلق على بعض جماعات الإسلام السياسي السني ، التي تتبنى العنف المضاد منهجا للتغيير، تحت عنوان الجهاد ، والسلفية الأصيلة أو المشتقة اليوم باتت واحده في المفهوم العام ، وأصبحت بدون أدنى شك مفردة مخيفة مرادفة ، وملازمة للإرهاب في القاموس الدولي .

إن دس هذه المفردة " السلفية " في الزمان والمكان والموضوع يعتبر هجوم طائفي استباقي بامتياز ، وهو أمر في غاية الخطورة ، وما كان لإنسان سوي أن يخطر بباله مثل هذه الفكرة في بلد مثل سوريا إذا كان يسعى إلى تعايش حقيقي ، لأن فكرة الزج بحد ذاتها ، إبداع فتنوي طائفي قاتل ، وتفتق ذهن اقل ما يقال عنه انه مجرم سافل منحرف من سفلة السلطة الحاكمة في سوريا .. وما أكثرهم.. !

وهذا بطبيعة الحال لم يأتي عرضياً أو اعتباطياً ، أو محض الصدفة ، كما يتصور البعض ، بل مقصودا ومتعمد ومدروس ، وبنيّة طائفية مبيتة لخلط الأوراق ، لان الذي كان متوقعا من السلطة أن تزج به في هذه المعمعة المصيرية ، ليكون أكثر إقناعاً، واقرب للمنطق والتصديق ، وللذاكرة الشعبية في سوريا ، هو تنظيم الإخوان المسلمين ، وليس التيار السلفي ، لما لهذا التنظيم من تاريخ معروف ومتداول ..

سيما وأن السلطة نفسها اصطدمت في وقت مضى بشكل مسلح معهم وقتها كان يدير المعركة مؤسسها " حافظ الأسد " ، في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ، وقد كان لهذا التنظيم أرضية أوسع في النسيج الاجتماعي السوري ، أو هكذا حاولت السلطة فيما مضى ، ومؤرخيها أن تدعيه ، وهذا أيضا ما دونته في كتب التاريخ المعاصر ..

فتداول مفردة السلفية ، والإصرار على وجودها ، جاء على ما يبدو برغبة جامحة من السلطة العائلية الفئوية الأسدية المتمترسة خلف الطائفة التي تنتسب لها ، لكن يبدو أنه تم دسها على عجل بين زحمة المفردات التقليدية المستخدمة ، وليتم كذلك تعميمها لتصبح " لازمة شاذة " على ألسنة أبواق النظام وفي الإعلام " الوقح والسخيف " التابع لها .

بالتالي وأمام الضغوط الغربية والدولية الكبيرة ترى السلطة في سوريا أن اللعب على وتر " الإرهاب السلفي المندس " هو الأجدى والأنجع في هذه المرحلة ، فتلجأ من خلاله ، وبطريقة ماكرة ، وخبيثة ، توجيه رسائل تحذيرية للغرب المتخوف منها قبل العرب المتردد ، وللخارج الغير مسلم قبل الداخل الطائفي المذهبي أو الفئوي الأقلوي ، من أن هناك تماهي عقائدي بين " السلفية " الإرهابية المزعومة والأكثرية السورية الثائرة ، والرابط بينهما مذهبي مريض مدعوم من محيطه " المتأمرك " ، والتابع للامبريالية والصهيونية العالمية ، وعلى رأسه السعودية الأم والحاضنة لـها .. والمعادية تقليدياً لكل سلوكيات النظام الأقلوي الذي قام على قهر الأكثرية في المنطقة لمدة زادت عن الأربعين عاما .

وجعلهم بهذا " الربط ألاتهامي " .. ومن خلاله أن يبدو الشعب السوري وخصوصا منهم الطبقة الثائرة أدوات " لأجندات خارجية " تستهدف الدور الكبير الذي تقوم به في المنطقة كما تدعي ، ما يجعل التخلص منهم ، والقضاء عليهم أمر مشروع دوليا ، وواجب وطني مقدس ، يستقطب السوريين ، ويجعلهم يلتفون حول سلطتهم دفاعا عن الوطن المهدد من قبل هذه السلفية الغازية المزعومة .

إن مفردة " سلفية " ، وبدون شك قادرة كذلك على تجميع وتجييش واستنفار الأقليات الدينية والمذهبية التي هي جزء من نسيجنا الاجتماعي ، خصوصا إذا دُست في وقت عصيب كالذي تعيشه سوريا اليوم ، ما قد تدفعهم رهبة أو رغبة إلى الوقوف خلف من يحميهم ، والتمسك بالحامي والواقف بوجهها ، وهذا ما تحاول أيضا أن تعمل عليه السلطة الحاكمة في دمشق.

وإلا ما معنى أن تستحضرها اليوم وهي غير موجودة بالأصل في مجتمعنا السوري ولا يوجد أي تأثير لها يذكر ، إلا فقط بقصد دفع بقية المكونات الاجتماعية الأخرى للوقوف معها ، خشية الإبادة المتخيلة كنتيجة محتومة لسقوط هذه السلطة ..!؟

في النهاية أنا ممن يرى في استخدامها ودسها في مفاصل الثورة على الرغم من تشاركيه مختلف الأديان والطوائف والقوميات المكونة للنسيج الاجتماعي السوري فيها، نوع من التحقير لشعب ثار على الظلم والاستبداد والقهر ، وتسخيف متعمد لمطالبه المحقة ، وهي مفردة اعتراضية غريبة ، لا محل لها في الواقع السوري ، برغم الإصرار الغير مبرر من قبل مجرمي السلطة على استخدامها ، ومنذ الأيام الأولى لثورة الحرية والكرامة .

إن قيادات العالم المتمدن والمتحضر والحر اليوم وان كانت عاجزة عن التحرك ، لا أعتقد أنها تصدق الرواية الرسمية بأن " السلفية " هي المحرك لهذه الثورة الشعبية ، لأنها تدرك بُعدها الواضح والمحسوس عن نسيجه الاجتماعي ، ولا ترى من هذا الاستخدام ، إلا حجة مكشوفة يوما بعد يوم سيظهر ضعفها ووهنها أمام السلطة نفسها ..

لكن هل تنجح السلطة الحاكمة في دمشق بإثبات ما تدعيه في هذا النزاع ، لتنجو بأفرادها وتاريخها الأسود من حتمية المسائلة والمحاكمة ، بزيادة التأزم ما أمكن مع المحيط السني وحشر "  السلفية  " في الموضوع ، بقصد المساومة على تسوية ما للإفلات من حكم الشعب العاجل والعادل ..!!؟

هذا ما ستحمل إجابته الأيام القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...