الخميس، مايو 03، 2012

نهج حافظ الاسد


نهج

حافظ الأسد


لعل ما نعانيه اليوم من وضع مأساوي ، واصطفاف مذهبي طائفي في المنطقة سببه الأول هو النهج الديكتاتوري الاستبدادي العدواني الاقصائي الحاقد  الذي انتهجه حافظ الأسد منذ اليوم الأول لاستيلائه على السلطة ، حيث جعل هذا النهج أمر اعتيادي في (  ثقافة البلد العامة ) ، والمؤسف أن كثير من العامة المغلوب على أمرهم في البلد كان يراه  - النهج الديكتاتوري الاستبدادي - إحد ضرورات بناء الدولة الحديثة ، ومرحلة لا بد منها حتى لو أصبحت الجمهورية السورية ملكية وراثية لـ "  آل الأسد " ..
علماً بأنه فعليا وعلى ارض الواقع وفوق الاستبداية المنقطعة النظير التي تم اتباعها فقد كان حكم الأسد غامض ، وقائم على القمع والرعب المفرط وتأليه سلطة الفرد ، فلم تعد سوربة .. جمهورية كالجمهوريات التقليدية ، ولا هي ملكية كالملكيات المعروفة  ..!
 

بناء على نجاح واضح له في النهج اعتبر  " حافظ الاسد "  انه الانسب له ولنا ، وربما رأى أنه الافضل لشد ونظم مكونات النسيج الاجتماعي السوري تحت حكمه ، واخضاع كل ما في البلد لسيطرته وسلطته ، وهذا بطبيعة الحال مفهوم على المستوى الفردي  ، لطالما أن الفرصة جاءته على طبق من ذهب ، وفي غفلة من الزمن ..

لذلك وبعدما دانت له الأمور راح ينفذ هذا النهج برغبة جامحة ونهم وأوغل فيه ، فتولد لديه اعتقاد راسخ من انه السبيل الافضل لديمومة حكمة وترسيخه ، وضمان توريث اولاده من بعده ، وللاسف لا بد لنا من الاقرار وحتى الاعتراف بأنه نجح في بعض ما ذهب اليه ، بدليل انه بهذا النهج  تمكن من ايصال لسدة الحكم احد اولاده الفاشلين المعتوه " بشار الأسد " ، ذلك الشخص المهووس الذي كان كما هو معروف يُعالج من اضطرابات نفسية  ، وصعوبة في النطق ، لكن جاءته السلطة طائعة وسهلة بعد أن رسخ قواعد توريثها له المقبور " أبوه " ..

الامر المضحك والمبكي ، وربما المحير هنا ان المعتوه " بشار الاسد " صدق نفسه ، وصدق ما قاله عنه المنتفعين منه في الداخل والخارج ، والمستفيدين من غباءه ، وتخيل في عالمه الخاص والمنفصل عن الواقع ، انه رئيس حقيقي وطبيعي كما هو حال بقية الرؤساء ، يحكمون ويتحكمون بشرعية مصدرها الشعب ، وتصور فوق هذا وذاك لكونه في  سوريا ، فهو رئيس ملهم لشعب مدجن وأليف وخانع لا يقوى على الرفض ، ولا يجيد إلا الطاعة العمياء والخوف والخنوع ..


لكن على مايبدو فاته ، وحتى فات العقلاء في السلطة إن وجدوا ، أن المعتوه " بشار الأسد " لن يتصرف بعقل لانه لا يملك عقلا ، ولا بمسئولية لانه لا يعرفها ، ولا نستطيع أن نصف من يتصرف مثله وفي حالته وموقعه ان وجد إلا بـ ( المجنون الذي دانت له الظروف  ) ، وهو بكل تأكيد ماكان ليصبح رئيسا على بلد عظيم مثل سوريا ، لولا انه وُجد كرأس الدمل الكريه الذي ظهر كنتيجة طبيعة لتراكم قيح  المحسوبية ، وفساد السلطة السياسية ، وتعفن قيمها وثقافتها وتاريخها الأسود  الذي رافق المرحلة  السابقة ، ونتيجة منطقية لوضع دولي اقليمي وعربي غير منطقي  رافق المرحلة ..

إن الذي فرض " بشار الأسد " علينا رئيساً هو النتيجة الطبيعية لذلك النهج الحاقد والمرعب ،  فكان كالمولود المعوق المتخلق من السياسة الدموية التي اتُبعت في حقبة الاسد ، وهو في كل الأحوال نتاج رث للظلم الكبير الذي عانى منه شعب سوريا والمنطقة ، وكذلك ( مولود غير شرعي ومشوه لزواج المصالح أو زواج المتعة القذرة لمشروع الشعوبية العنصرية في المنطقة ) الذي تم على حساب مصلحة الشعب السوري ، ومنتدب لتحقيق مصالح بعض الدول الإقليمية والدولية ، في مقابل أمر واحد فقط ، هو تثبيت دعائم الحكم الاقلوي الطائفي في منطقة الشام ..
فكانت النتيجة  أن يكون " بشار الاسد " أو طفل الأنابيب الممسوخ ، الذي تخلق بعملية كما اسلفت مصلحية مخبرية بين بيضة طائفية فاسدة ونطفة مذهبية قذرة ، في بيئة  من العهر والقهر والإجرام الدولي لـ (  ليصبح بامتياز ابن حرام  ) ، ورئيسا قهريا على الشعب السوري ..

ان ما أرتكبه ويرتكبه هذا النظام اليوم الذي يحمي هذا المسخ ويسير خلفه ، والذي هو نتاج مرحلة طويلة من النهج الاجرامي المنقطع النظير ، إجرام  لم يمر على شعب مثله من قبل ، فمثل هذا المسخ ابن المسخ الذي نحاول أن نصفه هنا فقط ، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، بلا سب ولا شتيمة وان كان ظاهر الوصف  له كذلك ، فهو  (  إبليس صغير للإبليس الأكبر  )  تقمص أو تلبس أو تجسد بصورة أو هيئة بشر ، وقام بفعل مالا يقدر على فعله بشر ببشر  وربما لا يقبل أن يفعله بشر بغير البشر ، حتى إبليس المعروف ربما لا يستمتع بالقتل والاجرام مثله ، ولا يثمل عليهما كما الحال مع " بشار الأسد " ..

ابن أبيه المذكور والوارث لكرسي الرئاسة ، المستخرج بالقوة والبطش من تلك المدرسة الفئوية الظلامية قدم لنا في سوريا ، وعلى مرأى ومسمع العالم أوضح صورة للنهج الحاقد الذي اتبعه " المقبور أبوه حافظ الأسد " ، بعد أن تعمد على مدى عقود من الزمن أن يتلف ويخرب كل ماله صلة بالجمال والابداع والخلق في هذا البلد ، ويصر على تعطيل القدرة والإرادة التي يحملهما الشعب السوري حتى يصبح عاجزا على بناء بلد عصري ديمقراطي حر ، معتقدا انه من خلال القتل والتنكيل الممنهج ، وتحت تأثير الخوف الذي تعمد أن يزرعه ، يستطيع أن يقتل أيضا الإبداع في هذا الشعب ، فتستقر له الامور ..


جميعنا عرف او لمس او شاهد شيئا من " نهج  الأسد الأب " وثقافته الحاقدة  التي تمحورت حول تقديس شخصه ، ذلك النهج القمعي  المرعب الذي أسسه على قواعد القهر والإذلال والاستعباد ، والذي ما كان لمؤسسه الانتهازي والوصولي ، والأفاق والسيئ ابن السيئ ، والذي نبت في منبت أسوأ من السوء نفسه ، ان يستمر ويستقر لو انتهج اسلوبا اخر مغاير له ، وذلك لكونه فارغا ضحلا ، لا يحمل رؤيا لمستقبل البلد ، ولا تصّور تنموي يعمل على اساسه ..

فأساء وجوده في حكم سوريا أكثر مما أساء الغزاة لها ، سواء كان ذلك على المستوى الاجتماعي او التاريخي او الثقافي، لا بل ان اساءته لسوريا وشعبها كانت أكثر واسوأ لا بل ابشع مما أساء أسوأ المستعمرين لها عبر التاريخ ، والواضح أن مرحلة حكمه ستبقى المرحلة السوداء، وزمنه هو الزمن الغابر والسيء والأبشع ، والذي سيقف عنده التاريخ كثيرا وطويلا ، بعد أن ينبش الشهود لنا وللعالم ، كل المسكوت عنه من إدانات موثقة بالوثائق والبراهين والإثباتات ، وسيفضحون المخبأ قهرا أو خوفا في ما مضى  ، وسيكشفون الغطاء عن الممنوع  من التداول به قصرا..

 أخيرا لا بد لي من القول بكل أمانة وصراحة  .. أنه اكثر ما يستفزني هي تلك المواقف المؤيده لهذه السلطة ، والفهم الشاذ لحقيقتها ، فهؤلاء  المريدين ، أو الموالين " للأسد ابن الأسد " أو من احسبهم كذلك ، أو ممن يشعر المرء أن قلوبهم تميل مع استمرارية وبقاء السلطة التي يترأسها " بشار الأسد " ، أجزم بأنهم على جادة غير جادة الصواب ، بالرغم من أني حاولت النقاش مع عينات منهم ، وكنت أحاول بشكل دائم ، ولا زلت أسعى مع البعض الآخر منهم أن أبين ما أستطعت ، ولو شيء يسير من الآثار الواضحة والمدمرة التي تركتها فينا وعلينا ثقافة " الأسد " ، وكم من الزمن سنحتاج بعد سقوط هذه السلطة حتى نعيد التوازن لمجتمعنا ونصبح كما البقية من شعوب العالم ، فاعلين ومنفعلين في الحضارة الإنسانية ..

لكني للأسف الشديد وجدت ان الأغلبية منهم او على الاقل ممن قابلتهم ودخلت معهم في نقاش ، يتخفون ويتوارون تبريرا لموقفهم وراء مسألة خوفهم على البلد ، حتى لو كان برأي بعضهم ، أن من يحكمه " ولد " ، ووجدت ايضا أن كثيرا ممن ناقشته بموقفه الخاطئ تجاه ثورة الشعب المطالب بالحرية والكرامة ، أنه لا يرى حقيقة ما نرى ، ولا يرى ان ما يحصل في سوريا أصلاً ثورة ، والتعليل باعتقادهم ان الثورة يجب ان يساهم بها كل الناس وليس البعض ، او هكذا على الاقل يجب ان تكون عليه الثورة ، ولم يعلموا ان من شارك في الثورة الفرنسية - على سبيل المثال - لم يتجاوز الواحد بالمئة من الشعب الفرنسي ، وان من شارك من الشعب الروسي في الثورة البلشفية التي ادت الى سيطرة الشيوعية بقيادة " لينين "لم يتجاوز السبعة في المئة ، بينما من شارك في الثورة السورية من حيث النوعية ابطال ندر وجودهم في التاريخ ، وقد تجاوز نسبتهم الخمسة وعشرين بالمئة من الشعب السوري ،  بالتالي وبقليل من الهدوء والعقلانية ومراقبة ما يجري على الارض ، يمكن ان يتفق معي كل منصف في هذا العالم على ان الثورة السورية هي الثورة الاعظم في تاريخ الانسانية لغاية الان ..


اللافت للنظر والامر الغير طبيعي والذي اسفت عليه واستغربنه بشدة ، انني وجدت ممن ناقشته من يستمرئ ويستهوي الهدوء المذل ، وقبول الركون وحتى الاهانة ، ويعتبرها في بعض الأحيان نوع من العقلانية ، وهو لا يدري بهكذا حال أنه لا يعمل شيئا من عقله في هذا الموقف ، وأن جل ردوده ودفاعاته تتحكم بها العواطف ، والعواطف فقط ولا دورلعقله فيها..

هذا ما أستطيع الجزم به ، وأستطيع كذلك القول بأنه نتيجة الخوف المكتسب من التبعات التي يتصورها ، والتي صارت عنده أشبه بالاعتقاد الراسخ ، بينما الواضح  مختلف تماماً ..

 أخيرا أقول وهذا مؤسف .. أنني لم أجد احد ممن دخلت معهم في نقاش يكلمني عن أفكار عملية أو برامج تنموية أو رؤية واضحة للسلطة ورئيسها .. أعجبته  ، وهو لروعتها واعجابه بها يتبناها أو ويؤيدها لواقعيتها وعمليتها بعدما اقتنع بها ، ولم أجد أيضاً حتى من يتكلم منهم عن توجهات واضحة لها ، في السياسة ، في الاقتصاد ، في الحريات في التطوير ، الكل يتشدق بمرحلة الموات السابقة التي يصفونها بزمن " الأمن والأمان " ، وترى أحدهم يرد عليك وهو يتحسر عليها وعلى أيامها ، و قد غاب عن هؤلاء أو ربما هم أرادوا أن يغيبوه عن عقولهم ، أن الشعوب صاحبة الكرامة والتي تتمتع بتاريخ حافل لم تكن قد تحررت من مستعمريها أو محتليها ، لو لم تثور في وجههم ، أو لو لم تدفع الدم في سبيل الحرية ، وكأن حالة الموات السابقة بحسب ما يرون ، والتي يتندمون ويتحسرون عليها في بعض الأحيان ، كانت اقل حدة وسوء وقذارة من أبشع احتلال مر على سوريا ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...