الجمعة، مايو 11، 2012

مفردة الارهاب

 
مفردة الارهاب
وانتهازية السلطة الحاكمة في سوريا



بكل أسف أراني مضطرا للكلام المباشر وبدون أي تحفظ وبعيدا ربما عن الكياسة واللياقة ، ولا حتى المواربة أو اللف والدوران وراء الكلمات المعسولة ، لأقول انه ليس مستغربا على الإطلاق أن تستخدم السلطة الحاكمة في سوريا اليوم " مفردة الإرهاب "، تلك المفردة الأشهر بين المفردات التي تتداول بها وسائل الإعلام العالمية ، والتي يُقصد منها التحذير بشكل خاص من رد فعل بعض المسلمين السنة على فعل الظلم الواقع على الكثير في مجتمعاتهم حول العالم ..

وهنا وبهذا الاستخدام الماكر والخبيث ، جعلت السلطة " الإرهابية " الحاكمة في سوريا من نفسها معنية رئيسية في مكافحة فعل هذا الإرهاب المزعوم ، فتبجحت ولازالت تتبجح  وتعلن بكل وقاحة ، وبشكل متكرر على انه السبب الأساسي ، لما عاناه ويعانيه الشعب السوري ، وأن الذي يحصل اليوم ما هو الا ثمن يدفعه هذا الشعب لمكافحته ..

وحتى نهجها القمعي الذي كانت تنتهجه مع الشعب السوري ، وما ترتب عليه من اثار وما كان يصاحبه من شدة في التعامل ومن تضييق على الحريات ، " المضطرة لها السلطة  " ، تعتبره مبرر ، وبقصد المحافظة على البلد ومصالحه  ، بمعنى آخر أن كل سلوكيات السلطة القمعية القاسية كانت بقصد حماية الوطن والشعب من تلك الظاهرة اللعينة المسماة " الإرهاب " ، وبذلك هي تعتبر كل القتل والتدمير مبرر ، وبمثابة عذر مشروع لظلمها واستبدادها ونهبها ، وتعتبر أن كل حركة وحراك وسياسة ونهج مجرميها في الداخل ، وما تفعله ما هو إلا جزء من هذا العمل الذي يصب في مكافحتها  ..

أن سياسات السلطة الحاكمة الخارجية أيضاً ، وربط مصيرها بمحاور إقليمية ودولية شاذة ، منها ما يرعى الإرهاب جهاراً ، لا بل وينتجه بشكل منظم ، هي التي كانت وراء ما وصلنا إليه في سوريا اليوم ، لذا هي تستخدم هذه المفردة المرعبة ، كذريعة واهية ، أمام العالم لتبرير قمع الشعب الثائر في سوريا اليوم أيضا ، وليس لشيء آخر ..





الإرهاب .. تلك" المفردة " التي ربما أول من استخدمتها بشكل مكثف في وسائل الاعلام هي إدارة " بوش الابن في الولايات المتحدة الأمريكية " وجعلتها المفردة الأكثر استخداما ، والأكثر تداولاً وترديدا على الألسن ، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والهجوم بطائرات الركاب المدنية على مبنيي التجارة العالمية في نيويورك ..

أما في سوريا .. لأننا عرفنا السلطة الحاكمة بانتهازيتها الفاقعة ، واستغلالها البشع لكل ظرف يخدمها ، ويؤمن لها الاستمرارية ، ولو على حساب الشعب ومصالحه ، فقد رأت هذه السلطة أن ما حصل يمثل لها أفضل فرصة كي تزيد من شدة قبضتها الأمنية ، وتخنق بهذه القبضة كل شيء معارض يتحرك ضدها أو حتى ترتاب منه تحت نفس الحجة ، مقاومة الارهاب ..!!

لكن اليوم لعل الأمر بات واضحا أكثر للجميع  ، وهو أن الانتهازية في قاموس السلطة لا معنى له الا انه  نهج مدروس ، انتهجته منذ نشأتها في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي ، على يد الراحل " حافظ الأسد " ، وهي في كل الاحوال سلطة انتهازية بكل معنى الكلمة ، لذلك عندما جاءتها الفرصة الذهبية التي لا يمكن تفويتها من الدولة الأعظم وسيدة العالم أمريكا ، هذه المرة مع أحداث سبتمبر ، وبات الأمر في متناول يدها بمثابة رخصة قمع ، لم تصدق .. فأسرعت " لتقنون وتشرعن لها ، وتعطي بموجبها كل الصلاحيات للأجهزة الأمنية لممارسة أبشع أساليب القمع والتنكيل لمواجهة السوريينالمطالبين بشيء من الحرية والعدالة   " بشكل علني ، منتهزة ما نادت به أمريكا ، وعليه راحت تقتل وتقمع كيفما تشاء تحت نفس الذريعة التي باتت أممية " مكافحة الإرهاب " ، فشعرت الى حين بنوع من بالارتياح بأن لا رقابة ولا مساءلة يمكن أن تطاولها ، وبالتالي صار أهم أهدافها من وراء " مكافحة الإرهاب " هذا ، هو قمع وإخماد بركان الشعب الثائر ..

ولما لا ..!؟

طالما أن هذا النهج قد  اقترب أكثر مع " الرؤية الأمريكية البوشية " المهووسة والمنحرفة التي عملت من جهة اخرى على إسكات كل معارضة للسياسة الأمريكية المتهورة في المنطقة وربما العالم ..

كلاهما كان سار على نفس النهج وباتجاه نفس الهدف ، والتقيا عليه ، ولو بدون تنسيق مسبق ، مع التفاوت بالتباين ، والهدف بطبيعة الحال لكلا الطرفين تمحور حول ضرب ما يراه ضرورة من " الجسم الإسلامي السني " وتحطيم مفاصله ..

فذلك الجسم افرز ،  وساند ودعم تنظيم القاعدة ، رأس الإرهاب ومؤسسه في العالم ، بحسب ما صورته إدارة " جورج دبليو بوش " ، حيث تمكن هذا الارهاب من التطاول العظماء في الزمن وتمكن من ضرب أمريكا في قعر دارها ، واسقط هيبتها أمام العالم ، الأمر الذي أستوجب الرد القاسي والقوي على هذا الجسم الإسلامي السني " الإرهابي" ، وبكل الوسائل والطرق الشرعية وغير الشرعية ، وتجيش  العالم كله عليه ، تحت عنوان مطاط يمكن له ان يشمل كل " المسلمين السنة " ، وهو الحرب على الإرهاب ، علما بأن مشكلة الشعب السوري لا علاقة لها بهذا الامر لا من قريب ولا من بعيد ، هي مشكلة قديمة متجددة مع السلطة الحاكمة  ليس أكثر ، وهي مشكلة يعني منها كل مكون من مكونات الشعب السوري  ..

لكن ربما  رأى  " الأمريكان " ، أو هكذا نفترض جدلاً .. انه من الأفضل لهم ، أو ربما من باب اللباقة واللياقة ، أو لكي يتم إيهام وخداع شعوب العالم أن يتم " تلبيس مسألة ضرب الإسلام السني بقناع اشمل واقل إثارة للمسلمين السنة حول العالم ، وذلك من خلال تخريج الأمر في النهاية على أنه مكافحة لما جرى تسميته الإرهاب والحرب عليه " ..

السؤال المطروح الآن كيف التقى أو تطابق هذا الهدف الأمريكي مع هدف السلطة الحاكمة في سوريا ، الإجابة على السؤال في الواقع بسيطة جدا ، وهو أن " حافظ الأسد " ما كان يوما أكثر من أداة طيعة وعميل موثوق ومخلص ، نال الرعاية الكافية والحظوة الخاصة مع وعند الأمريكان ، بعدما استولى على السلطة في سوريا بانقلاب عسكري ، فسكتوا عنه ، رغم محاولاته الخادعة والفاشلة التي دأب العمل عليها لطمأنة الشعب السوري على مستقبله من خلال عدالة حكمه ، أو هكذا ما أراده أن يبدو لنا نهجه ، وشخصه الأساس الناظم للسوريين ، وأن معيار الانتماء لسوريا هو المواطنة وليس شيء آخر ، ولو بالشكل ..




إلا أن " حافظ الأسد " .. عقدته كانت أن " السنة " هم المكون الأكبر ، وهم أكثر من خمسة وثمانون بالمائة من تعداد سكان سوريا الفعلي ، فإن كانوا قد قبلوا الأمر ، فإنه بالتأكيد على مضض وليس بكامل الرضا ، والمسألة أنهم لو قبلوا انقلابه ، فلربما ثقة بالنفس ، وإرضاء للأقليات على أساس أن لا فرق بين المواطنين السوريين ، بقصد المساعدة على اندماجهم ، وانسجامهم مع الأكثرية بلا أي نوع من الحساسيات ..

ولتبدأ مسيرة التصحيح التي وعد بها على " قاعدة العدالة والمساواة للجميع " ، إلا أن المفاجئة الغير محسوبة ، والغير متوقعة بشكلها التي جاءت به ، أن المقبور كان يستخدم " الطائفة العلوية الكريمة "  التي ينتمي لها ويغرر بشبابها ، ويستغلها لمصلحته ، وربما تعمد توريطهم بما لا يُفترض أن يتورطوا به ، فراح يستبدل القيادات المدنية والعسكرية المنتمية للأكثرية في مراكز ومفاصل الإدارة في الدولة بجماعته من نفس الطائفة  ، ومن لف لفهم ممن هم اقل كفاءة وأكثر ولاء له ، الأمر الذي أدى إلى طفحان الكيل مع الأكثرية ، ليس لأنهم من " السنة " بل لأنهم مظلومين مقهورين وضح النهار ، وفي كل شيء ، فقد ساءت الأحوال بشكل كبير وواضح ، وبدت السلطة الحاكمة في سوريا التي يتزعمها هو ، أسوأ من أي الاحتلال الخارجي..

حاول عقلاء الأكثرية معه ما استطاعوا من محاولات لثنيه  عن غيه وتماديه ، لكن كل هذه المحاولات  باءت بالفشل ، فقد ركب العند رأسه ، ولم يتقبل أو يقبل بأي نقد لطريقة حكمه ، ورفض أي تغيير أو تبديل لنهجه القمعي المنحرف ، ولم يوافق على إصلاحه ، ولم يغير أسلوبه المتبع في إدارة البلد ، ولا السماح بشيء من حرية الحركة الضرورية بقصد التطوير والبناء ، واعتبر المعارضة هي امبريالية مرتبطة بالخارج ،  فأغلق البلد وراح يعقد الاتفاقيات والمعاهدات والصفقات المشبوهة مع أسفل وأبشع وأوقح نظم الحكم الشمولية والاستبدادية والعصاباتية الدموية الحاكمة في العالم ، وربط استمرارية سلطته الفئوية العائلية بالمنحرفين والمتسلطين في الدول المارقة على حساب البلد وشعبه ، ما أدى إلى قيام ثورة شعبية سورية عارمة ، بعد مرور سنوات على حكمه ، إلا أنه نجح مع شديد الأسف في أن يظهرها باعتبارها مذهبية " سنية " ضد أقليات عرقية ومذهبية وطائفية ، بينما الواقع كان مختلف تمام الاختلاف..

ربما تتضح  الإجابة وتكتمل على موضوع السؤال الذي طرحناه حول تلاقي وتطابق الأهداف بين " السلطة الحاكمة في سوريا والأمريكان " ، من خلال ربط ما تقدم لندرك تمام الإدراك أن الهدف مشترك ..

وهنا أزعم أن السلطة العائلية الحاكمة  أرادت القول انه لطالما أصبح المكون الإسلامي السني " الإرهابي " اليوم في سوريا سبب رئيسي في عدم إمكانية استمرار " القرار الذي بيدنا " وفقداننا للحكم فلما لا نتبنى مفردة " الإرهاب الفضفاضة " ونعتمدها كلازمة متكررة في كل خطاب لنا ، وخط عمل قمعي وتنكيلي ، برخصة دولية ..

لعل مفردة " إرهاب " تخدمها أكثر من مفردة " الإجرام " مثلاً .. في وصف أي عمل معارض ، لدرجة أن صارت المظاهرات السلمية ، والمطالبة بشيء من الحرية ، وقليل من الكرامة  من الأعمال الإرهابية التي تحضا بدعم الإرهابيين ، وما حصل من تدمير متعمد لمدينة حمص ومدينة حماة وريف دمشق وقبلهما درعا ، والتنكيل بأهلها واهانتهم في معتقداتهم وتدنيس المساجد والدوس على المصاحف ، والكتابات المؤذية على جدران المنازل ، وحتى تفجيرات دمشق الأخيرة و" المفبركة " ومكان تفجيرها اكبر دليل على هذا الزعم..




وهنا لا بد من التنويه على أن الذي استوقفني بصراحة ، أنني لم أجد أحدا من السلطة ، ولا السياسيين والمحللين ولا حتى الأمنيين من كان يستخدم مفردة " إجرام " لوصف منفذي التفجيرات في المدن السورية على سبيل المثال ، فالتركيز الدائم على " الإرهاب " و" الإرهابيين " ، لان كلمة إرهاب كما قلنا سابقا لها وقع خاص ، كما أنها تثير الرعب في إدارات الغرب المراقب ، ويركز شعور الشعوب الغربية وينبهها عليه ، ويشتت تركزها عن الأسباب التي تقف وراءه ..

في الخاتمة أود أن اكشف أمراً قد يكون بسيطا لكنه مهم ويثبت ما ذهبت إليه ، بعدما دفعني الفضول إلى مراجعة " خطابات  حافظ الأسد " ، والبيانات المكتوبة التي صدرت أثناء وبعد الثورة الشعبية السورية الأولى التي قامت عليه في النصف الثاني من سبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي ، والمجازر التي ارتكبتها سلطته الحاكمة التي وضع أساس ومنهجها القمعي ، بحق الشعب السوري فلم أجد ، وأقولها بكل أمانة أنني لم أجد مفردة واحد  لـ " إرهاب أو إرهابيين " ذكرها "  حافظ الأسد "، كما أنني لم اقرأ بأي بيان صدر في ذلك الوقت من القيادة القطرية ، ولا القومية لحزب البعث الحاكم ، يذكر فيها مفردة إرهاب ، بينما دائما ما كان المستهدف هو الإخوان المسلمين ، الإخوان ، أو – خوّان المسلمين – كما كان يحلو لبعض مجرمي السلطة تسميتهم ، والى ذلك من التعابير الموجهة بالتحديد للأكثرية السنية المقصودة بالأصل من وراء مطاردة تنظيم الإخوان المسلمين ..

أأكد مرة أخرى أن مفردة الإرهاب لم تستخدم إلا حديثا وهذا ما قصدته في البداية ـ وأردت الوصول إليه ، وهو دليل واضح على أن السلطة الحاكمة في سوريا هي أسوأ النظم ليست الديكتاتورية والاستبدادية والشمولية في التاريخ فقط ، وإنما الأكثر والأوقح والأبشع " انتهازية ووصولية " فيما نقل لنا ، وقرأنا عنه من نظم الحكم في الماضي ، وما هو قائم في عالمنا المعاصر ، سلطة لا تعرف معنى للقيم ولا الأخلاق على الإطلاق ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...