الشبيحة
حين كان المعارضون يتداولون هذه التسمية في السر، وهم يقصدون ضعف شخصية بشار الأسد، كانت شقيقته بشرى التي يقول كثيرون أنها مسيسة أكثر منه ، وان زواجها من آصف شوكت جعلها أكثر اهتماماً بالسياسة ، وهي تجهد دائماً لمستقبل واعد لبعلها وتردد: أن شقيقها بشار غبـي وعصبي ، وتستدل على ذلك بما تعتقده تخبطاً في سياسته بعد اغتيال رفيق الحريري في لبنان في 14/2/2005 واتهام بشار بهذه الجريمة ، ثم قراره سحب قواته من لبنان الذي شكل للنظام كارثة على حد وصف آصف شوكت.
هؤلاء بدءوا الشهرة بركوبهم سيارات مرسيدس كان الناس يطلقون عليها اسم الشبح لسرعتها، وكثير منها كان يسرق من لبنان، أو يأتي أولاد الأسد هدايا منها من المنافقين وأصحاب المصالح الذين يريدون المحافظة عليها أو زيادتها في لبنان، سواء من رجال أعمال أو سياسيين أو قادة أحزاب وأثرياء حرب ومحدثي نعمة.. أو مرشحي انتخابات على مختلف درجاتها.
ومن لم يسرق الشبح كان يركبها من مال مجهول المصدر، فبات هؤلاء يحملون اسم الشبيحة نسبة للشبح، علماً بأن اللبنانيين هم أول من استخدم هذه التسمية ليطلقوها على اللصوص الذين يشبّحون على الناس أي يحتالون عليهم ويبتزون منهم المال أو الطعام أو الملابس.. أو الهدايا بغير إرادة أصحابها، فيقال أن فلاناً شبّح على فلان، أو انه أخذ ما لا يملكه تشبيحاً، وهو يحمل صفة واحدة هي الشبّيح.
كان الشبيح يملك السلاح ويقود السيارة ويقتني المال، وينـزل المدينة يحوم في الأسواق وحول مدارس البنات الثانوية، يلاحق الفتيات ويتمادى في مضايقتهن وعرفت اللاذقية ظاهرة خطف فتيات من أمام مدارسهن ، حتى امتنعت عائلات كثيرة عن إرسال بناتها إلى المدارس الثانوية (وبدأ هذا في عهد حافظ الأسد واستفحل في عهد بشار)
رددت وسائل إعلام النظام في سوريا وأتباعه في لبنان أن مواجهات حصلت بين القوى الرسمية، وهؤلاء الشبيحة، لكن الناس تعرف أن هذه المواجهات كانت صورية وغير حقيقية، فلم يقتل أحد، لم يعتقل أحد، وكل ما سرب عن إقفال مرفأ غير شرعي فتح قبالته مرفأين غير شرعيين، وان كانوا يتنافسون بالقتال من أجل مصلحة أو مال أو سيارة أو تهريبه.
أراد النظام تصوير الأمر انه استجابة لاستغاثات الناس من جرائم الشبيحة ، وهي أحياناً ضبط الأمور من الفلتان المؤذي ، وأحياناً كان إقفال مرافئ غير شرعية رسالة سياسية من بشار إلى عمه رفعت وأولاده خاصة حين يدلي رفعت بتصريح لا يعجب ابن أخيه، أو يقوم بتحرك يقلق الطبيب المتوتر.
كبرت مؤسسة شبيحة آل الأسد ، وآل الأسد ما عادوا مهتمين بعد أن أصبحت أموالهم بالمليارات، فتركوا هذه المهمة لضباط آخرين يشغلون هؤلاء الشبيحة معهم، وتسلمتهم الاستخبارات الجوية وشكلت لهم إدارة خاصة لتشغيلهم في التهريب خلال السلم، أما حين انطلقت الثورة الشعبية، فنـزل هؤلاء إلى مهمة قتل المواطنين السوريين في الشوارع..
أما كيف انتقل الأمر من التشبيح بالسيارات ثم بالمسروقات والتهريب إلى مستوى القتل في الشارع السوري ضد المواطنين الأبرياء فإن هذا حصل مع انفجار الثورة الشعبية ضد بشار الأسد. وبعد أن أصبحت الشبيحة مؤسسة أمنية كبيرة، على وزن ((بلاك ووتر)) بحصولها على احدث الأسلحة والتنظيم والإدارة وتقوم بالتهريب والتشبيح من الدول المجاورة براً وبحراً (لبنان، العراق، قبرص ) .
عندما بدأت الثورة ظهر هذا الجيش الرديف لآل الأسد الذين يعتمدون كثيراً على الاستخبارات الجوية وهذه المؤسسة الشبيحة جزء من هذه الاستخبارات بل قوتها الضاربة بلا عقل، بلا أخلاق بل همجية ووحشية وارتزاق.
يقول المفتش الأول في وزارة الدفاع السورية محمود سليمان الحج محمد الذي انشق عن نظام بشار خلال الثورة ضده للمؤلف في لقاء معه في القاهرة أن أعداد الشبيحة لا يقل عن خمسين ألفاً من أصحاب السوابق والمهربين ، واعتمدوا بعد الثورة على أبناء القرى العلوية لاستنهاضهم بحجة الدفاع عن الطائفة، وهي في خطر، وكانوا يدفعون لهم المال، حتى إذا قتل أي شبيح كان أهله يمنعون من إقامة أي جنازة لأي منهم في قريته، كما حصل في قرية الصفصافة، في طرطوس ، في صافيتا ، حيث تظاهر أهالي بعض الشبيحة يسألون عن أولادهم الذين أخذوا ولم يعودوا..
- نعم أخذوهم بحجة ضبط الأمن وتأدية واجب الدفاع عن الطائفة العلوية المهددة.. كل الأمور باتت الآن واضحة – لا شيء سرياً أو غامضاً..
دائماً آل الأسد
ينسب إلى جميل الأسد انه أول من شكل مجموعات للشبيحة في سوريا ، ودائماً من منطقة الساحل، واختار عناصرها من علويي القرى المحيطة بمدينة اللاذقية ذات الأغلبية السنية مع أقلية كبيرة مسيحية وأقلية علوية نشأت من القرويين اللاجئين إليها بحثاً عن العمل خلال عقود القرن العشرين.
صعدت مجموعات الشبيحة ذات الطابع شبه المدني بقيادة شقيق حافظ الأسد، مع تصعيد سرايا الدفاع الموازية للجيش السوري بقيادة الشقيق الأصغر لحافظ، رفعت الأسد.
فيما بعد حاول جميل إعطاء طابع حزبي – مذهبـي اجتماعي لجماعته هؤلاء، فوسع دائرة عمله ليشكل ما يسمى بجمعية المرتضى ( إحدى صفات الإمام علي عند الشيعة ) وأشهرها قانونياً، وجعل مقرها في شارع 8 آذار/مارس قرب مركز البريد في اللاذقية ، قبل أن يحلها شقيقه حافظ مقابل إطلاق أيادي أنجال جميل خاصة فواز ومنذر للسيطرة على أحد المرافئ غير الشرعية في اللاذقية، في منطقة صنوبر جبلة، لاستيراد البضائع المحظور استيرادها في سوريا، من لبنان وتركيا وقبرص.. خاصة التبغ.
أمير ابن شقيق حافظ الأسد
إلى جانب الفرسان الحمر، الذين عرفوا بهذا الاسم بسبب لون بدلهم العسكرية المرقطة بالأحمر، وهم القوة العسكرية للحزب العربي الديمقراطي الذي ضم عدداً من أتباع الاستخبارات الخاصة برفعت وسرايا الدفاع خاصة، كانت هناك عصابات لسرقة السيارات في لبنان منتشرة في بيروت (شارع الحمرا) قرب مخفر حبيش، وتحت أرض سينما ستراند ، وفي برج المر فضلاً عن بعض القرى البقاعية التي دوت شهرتها في الآفاق بهذه الإعمال غير الشرعية كقرية بريتال في بعلبك، كانت كلها تتولى توريد المسروق من أفخم السيارات إلى أمير الأسد، والبعض من المسروقات كان يحتفظ به سارقو بعض المسروقات لمقايضة أصحابها بها تحت سمع وبصر وحماية قوات الأسد في لبنان.
كان أمير يبيع هذه السيارات لضباط سوريين داخل بلادهم، معتمداً بلدة عمه حافظ الأسد – القرداحة مركزاً للبيع وكذلك بلدة البودي التي تبعد عن بلدة الأسد عدة كيلومترات.
شيخ الجبل
وكان شريك الشقيقين فواز ومنذر هو محمد الأسد الملقب بشيخ الجبل من أشرس آل الأسد في التشبيح والتعديات، وفي إحدى وقائع شراسته محاولته خطف فتاة في وضح النهار في منطقة مارتقلا في اللاذقية ، وهي منطقة راقية تضم سكاناً مسيحيين وسنّة وعلويين.
تصدت الفتاة لمحمد وشتمته وصفعته فما كان منه إلا أن أطلق عليها النار فقتلها، ثار أهلها العلويون ونظموا تظاهرة في منطقة الرمل العالي الشمالي تطالب بمعاقبته فلجأ إلى حافظ الأسد الذي نفاه إلى باريس، ليعيش فيها عدة أشهر، إلى أن رتب وضعه بدفع دية لأهل الفتاة، ثم حُمّل سائق شيخ الجبل التهمة فسجن بدلاً منه ليعود شيخ الجبل إلى مهماته القذرة.. خلال الثورة السورية، وفي بلدته القرداحة، اختلف عدد من عائلة الخير وعثمان وديوب مع آل الأسد بسبب اختطاف استخبارات الأسد، لأحد أبناء البلدة من الشخصيات اليسارية عبد العزيز الخير، بعد عودته مباشرة من الصين ضمن وفد هيئة التنسيق الوطني (المعارضة المستأنسة)، ودار نقاش ساخن في أحد مقاهي البلدة، حمل فيه أبناء العائلات الكبيرة آل الأسد وتحديداً بشار مسؤولية الجرائم التي تحصل في سوريا، داعين إلى رحيله لإنهاء الحرب في البلد، فتصدى لهم محمد الأسد (شيخ الجبل) وقيل انه رمى قنبلة يدوية انفجرت بين الحضور فأصاب عدداً منهم، لكنه تلقى رصاصات أصابته إصابات بليغة أقعدته في وضع حرج.
الشبيحة العائلية
توقفت الاشتباكات وعقدت اجتماعات بين الأقرباء تحت رقابة أجهزة الأمن التي رسمت حدوداً لعمل كل فريق من الشبيحة العائلية. استولى آل مخلوف بموجب هذه الحدود الجديدة على مرافئ الساحل السوري خاصة مرفأ صنوبر جبلة غير الشرعي طبعاً، وتولى أبناء جميل منذر وفواز الحدود البرية مع لبنان خاصة.
مضر رفعت الأسد
والبعض قال أن مضر يسلك طريق السوء، انتقاماً من والده الذي قرب إخوته غير الأشقاء منه (دريد، سومر، رئبال..) من زيجات أخرى لمؤسس سرايا الدفاع إحدى العصابات الكبيرة التي حكم بها حافظ الأسد شعب سوريا طيلة سنين ولم يعر اهتماماً بمضر، لا في التربية ولا في الغنائم ولا في الرعاية..
فكان يرسل من حوله لشراء السيارة أو الدراجة بأبخس الأسعار، أو تعجبه سيارة تمر أمامه فيرسل من يسرقها، أو يتوجه إلى معرض سيارات فيشتري السيارة بالسعر الذي يناسبه ويدفع قسطاً أو اثنين من ثمنها كما حال الدراجات ثم يطنش وويل لمن يطالب.
وقد أتقن مضر ومن معه تجارة السيارات.. إنما على طريقتهم، أي أن يشتروا سيارة من أي معرض في المنطقة الشرقية لبيروت، بسعر يحددونه هم، ثم يبيعونها لمعرض آخر في الغربية.. ودائماً بسعر يحددونه هم.
أما السيارات التي كانوا يشبحون عليها من البيروتين الشرقية والغربية فكانت تحمّل وبسرعة لوحات الجيش السوري.. فمن يجرؤ عندها على الكلام..
من البر انتقل مضر إلى البحر فسرق زوارق.. وجت سكي ، وكانت كلها ترسل إلى اللاذقية.. للتباهي والتجارة والمجاملة والمبادلة..
كان مضر كريماً مع المقربين منه، خاصة إذا كان صاحب مزاج كجورج وسوف (مغنٍ) مدمن مخدرات عمل مضر جهده لتوفيرها له ساعة يشاء وفي أي مكان من لبنان وسوريا ، ولم يكن مضر ليدفع قرشاً من جيبه فكله من أموال الأصدقاء والمتبرعين من أمثال طه قليلات وأبو درويش وسليم الدادا.
كان معظم هؤلاء وغيرهم هم رفاق سهرات مضر العامرة في ملهى الاوبشنز في المعاملتين.. وكل سهراته مجانية حتى دفع صاحب الملهى إلى إعلان إفلاسه رسمياً.
لم يكتف حافظ الأسد بإحاطة نفسه بعصبية علوية عسكرية قوامها حوالى مائة ضابط. ينبثق منهم 12 ضابطاً من أخلص الناس حوله (رفعت الأسد، عدنان مخلوف، علي دوبا ، محمد الخولي ، محمد ناصيف ، علي حيدر، شفيق فياض، إبراهيم الصافي ، علي أصلان والضباط السنة حكمت الشهابي، مصطفى طلاس ، بل انه جعل لهؤلاء عصبية مالية – اقتصادية أدت دورها في توفير الحياة المترفة لهم بتأمين كل ما يحتاجونه مالاً وعقارات وأرصدة ومزارع، وبإعطائهم القدرة على توظيف عشرات آلاف العلويين أولاً في مصالح أنشئت للسيطرة على قطاعات أساسية في المجال الاقتصادي والخدماتي على رأسها مثلاً مؤسسة الإسكان ، التي كان فرعها العسكري هو الأهم والأرسخ والأغنى والتي سقطت من أيدي علوية إلى أخرى حتى استقرت عند أولاد خالته آل شاليش..
وشيئاً فشيئاً تحول اقتصاد الحرب الذي أنشأه حافظ الأسد إلى اقتصاد عسكري، أي أن ضباط الجيش هؤلاء وعبر مؤسسة الإسكان العسكري وغيرها، انخرطوا في كل مشاريع البناء وشراء المعدات والتجهيزات التي تحتاجها، فأصبحوا هم المستوردين وهم الوكلاء