الأربعاء، أبريل 11، 2012

الإمبراطور الطاغية
" كال يجولا "





يذكر التاريخ لنا أن " كال يجولا " الإمبراطور الروماني ، هو من أشهر طغاة العالم إن لم يكن أشهر طاغية في التاريخ الإنساني المعروف بوحشيته وجنونه وساديته .
هذا الإمبراطور له صلة قرابة من ناحية أمه ، ويقال أنه عمه الإمبراطور الذي لا يقل شراسة عنه " نيرون " الذي احرق روما كما هو معروف عند الكثيرين .
واسم الإمبراطور الروماني " كال يجولا " الحقيقي كما تذكر كتب التاريخ هو " جايوس " ، ولد في " انتيوم " وتربي ونشا في بيت ملكي ، وتمت تربيته بين العسكر إعدادا له لتوليته الحكم ، وأطلقوا عليه هذا الاسم " كال يجولا " وهو معناه " الحذاء الروماني "  سخرية منه في صغره وظل يحمل الاسم حتى مصرعه ، والجدير ذكه هنا انه تولى حكم روما منذ العام 37 إلى 41 ميلاديا ..
لم يكن " كال يجولا " مجرد طاغية تقليدي حكم روما ، بل كان نموذجا للشر وجنون العظمة والقسوة المجسمة في هيئة رجل أضنى الجنون والعته والخبل عقله لدرجة باتت تدفعه القيام بأفعال لا يعقلها ولا يتخيلها أو يتصورها عقل سوي ، والتي فسّرها بعض علماء النفس علي أنها نتيجة اضطرابه النفسي والذهني ..
ولكن رغم كل الأعمال المرعبة التي قام بها ، يقول البعض أنه يجب الاعتراف أنه كان عقل مريض ربما أحرقته العبقرية ، فقد اثبت التاريخ أن الجنون والعبقرية ، كثيرا ما يجتمعان ، فعندما نسمع عما كان يقوم به " كال يجولا " ندرك مدي هول وعبقرية تلك العقلية المريضة في ابتكار تلك الأهوال والتلذذ باستفزاز الآخرين..
كان" كال يجولا " يتفنن في إغاظة الشعوب التي تحكمها روما ، وبحسب ما نقلته كُتب التاريخ فقد قام ببناء تماثيل عملاقة له في " القدس " المقدسة ليستفز مشاعر العرب هناك ، وقام بنقل بعض الآثار الفرعونية من مصر كمسلة تحتمس الثالث.
أما الأكثر شهرة من أفعال الإمبراطور الطاغية فهو انه كانت استبدت به فكرة انه اله على الأرض وملك هذا العالم بأسره ، يفعل ما يحلو له ، وذات مرة ذهب يسعي في طلب القمر لا لشيء سوي انه من الأشياء التي لا يملكها .. !!
ولهذا استبد به الحزن حين عجز عن الحصول عليه وكثيرا ما كان يبكي عندما يري انه برغم كل سلطانه وقوته لا يستطيع أن يجبر الشمس على الشروق من الغرب أو يمنع الكائنات من الموت..!
كما أنه فرض السرقة العلنية في روما وبالطبع كانت مقصورة عليه فقط إذ اجبر كل إشراف روما وأفراد الإمبراطورية الأثرياء علي حرمان ورثتهم من الميراث وكتابة وصية بان تؤول أملاكهم إلى خزانة روما بعد وفاتهم ، وبالطبع خزائن " كال يجولا " إذ انه كان يعتبر نفسه روما فكان في بعض الأحيان يأمر بقتل بعض الأثرياء حسب ترتيب القائمة التي تناسب هواه الشخصي كي ينقل ارثهم سريعا إليه دون الحاجة لانتظار الأمر الإلهي!
وكان يبرر ذلك بعبارة شهيرة جدا" إما أنا فاسرق بصراحة  " - وهي عبارة يتبعها الكثيرون اليوم من اللصوص الكبار والصغار .. كان يري انه طالما اعترف بسرقته فهذا مباح.
وأيضا اضطرابه النفسي يظهر واضحا في التلاعب بمشاعر حاشيته الذين أفسدوه وجعلوه يتمادى في ظلمه وقسوته بصمتهم وجبنهم وهتافهم له في كل ما يقوم به خوفا من بطشه وطمعا في المزيد من المكاسب من وراء نفاقهم له ، وهذا حال كل طاغية في التاريخ ، لا يتجبر إلا عندما يسمح له شعبه بذلك ، ويجتنبوا مواجهته ، فذات مرة خرج على رجاله بخدعة انه يحتضر وسيموت ، فبادروا بالطبع بالإعلان عن دعائهم له بالشفاء ، واستعدادهم للتضحية من اجله وبلغ التهور بالبعض أن أعلن رجل من رجاله " فليأخذ .. بوسي دون - اله البحار عند اليونانيين- روحي فداءا لروحه " وأعلن آخر استعداده لدفع " مائه عمله ذهبية لخزانه الدولة لكي يشفي " كال يجولا " وفي لحظتها خرج الإمبراطور الطاغية كال يجولا من مخبأه ينبئهم ويبشرهم انه لم يمت ، ويجبر من أعلن وعوده المتهورة على الوفاء بما وعد ، فاخذ من الثاني مئة عملة ذهبية وقتل الأول كي ينفذ وعده ، وكان وهو يقتله معجبا متأثرا بكل هذا التفاني والإخلاص .. !!
وكانت عبارته التي يرددها لتبرير وتشريع القتل لنفسه " غريب أني إن لم اقتل اشعر باني وحيدا " والعبارة الأخرى " لا ارتاح إلا بين الموتى " و " أنا اسرق بصراحة " ..!
فهاتان العبارتان تبرزان بوضوح تام ملامح الشخصية المريضة لـ "   الإمبراطور الطاغية كال يجولا " والتي أبدع الكاتب العبثي المبدع الفرنسي " ألبير كامو " في وصفها في مسرحيته " كال يجولا "   والتي قدم فيها رؤيته لحياة هذه الطاغية ببراعة وحرفية.
ومن المضحكات المبكيات المذهلات في حياة " كال يجولا " ما قام به عندما أراد أن يشعر بقوته وان كانت كل أمور الحياة بيديه ، ورأى أن تاريخ حكمه يخلو من المجاعات والأوبئة .. وهكذا لن يتذكره الأجيال القادمة ، فاحدث بنفسه مجاعة في روما عندما أغلق مخازن المواد الغذائية "الغلال " مستمتعا بأنه يستطيع أن يجعل كارثة تحل بروما ويجعلها تقف أيضا بأمر منه ، فمكث يتلذذ برؤية أهل روما يتعذبون بالجوع وهو يغلق مخازن " الغلال " ..!!
كذلك وبنفس المنطق المختل نفهم كلمته " سأحل أنا محل الطاعون " ..!
حتى الإتباع لا يأمنون غدر الطغاة و قد اخذ جنون " كال يجولا " يزداد يوما بعد يوم والذي أسهم أكثر في تعاظم جنونه وبطشه ، فالشعب كان خائفا منه ، وكذلك كان رجاله ، رغم أنهم كان بإمكانهم أن يجتمعوا ويقضون عليه ، لكنهم استسلموا للخوف فزاد ظلمه ، و ظل رجاله يؤيدونه في جبروته حتى لحقهم بدورهم ما لحقهم ، فذات يوم استبدت به " البار انويا " عندما رأي أحد رجاله يدعي " ميريا " يتناول عقارا ما فظن انه يتناول دواء مضادا للسم خوفا من أن يقوم " كال يجولا " بقتله وهكذا قرر أن يقتله لأنه ظن به السوء وانه كان من الممكن أن يرغب فعلا في قتله بالسم ، وبهذا فهو قد حرمه من تلك المتعة ..!
فقتله " كال يجولا " رغم أن ميريا كان يتناول عقارا عاديا..!!
و ازداد جنون " كال يجولا " عن حده حتى جاءت لحظة الحادثة الشهيرة والتي أدت إلى مصرعه في النهاية إذ دخل إلى مجلس الشيوخ ممتطيا صهوة حصانه العزيز " تانتوس " ولما ابدي أحد الأعضاء اعتراضه على هذا السلوك ..قال له " كال يجولا " :
" أنا لا ادري لما ابدي العضو المحترم ملاحظة على دخول حصاني المحترم رغم أنه أكثر أهمية من العضو المحترم نفسه ، فيكفي له فخرا انه يحملني ..!! "
وطبعا كعادة الحاشية هتفوا له وأيدوا ما يقول ، فزاد في جنونه واصدر قرارا بتعيين حصانه العزيز عضوا في مجلس الشيوخ .. !
وطبعا هلل الأعضاء لحكمة " كال يجولا " في تعبير فج عن النفاق البشري وانطلق في عبثه إلى النهاية ، وأعلن عن حفل كبير يحتفل فيه بتعيين حصانة المحترم عضوا في مجلس الشيوخ ، وكان لابد على أعضاء المجلس حضور الحفل بالملابس الرسمية ..!!
ويوم الحفل فوجئ الحاضرون أن المأدبة لم يكن بها سوي التبن والشعير..! فلما بدا الاندهاش على وجوههم قال لهم " كال يجولا " انه شرف عظيم لهم أن يأكلوا في صحائف ذهبية ما يأكله حصانه ، وهكذا أذعن الحضور جميعا لرغبة الطاغية وأكلوا التبن والشعير ..!
إلا واحدا كان يدعي" براكوس " رفض فغضب عليه " كال يجولا "  وقال :
" من أنت كي ترفض أن تأكل مما يأكل حصاني،واصدر قرارا لتنحيته من منصبه وتعيين حصانه بدلا منه  " .. !!
وبالطبع هلل الحاضرون بفم مليء بالقش والتبن وأعلنوا تأييدهم لذلك الجنون ..!
إلا أن "براكوس " قد ثار وصرخ في وجه " كال يجولا " والأعضاء الموجودين ، وأعلن الثأر لشرفه وصاح قائلاً في أعضاء مجلس الشيوخ" إلى متى يا أشراف روما نظل خاضعين لجبروت كال يجولا " ثم قذف حذاءه في وجه الحصان وتابع كلامه في وجوههم " يا أشراف روما افعلوا مثلي استردوا شرفكم المهان " ، فاستحالت المعركة بالأطباق والاباريق والكؤؤس ، وما تواجد على الطاولات ، فتجمع الأعضاء وأعوان " كال يجولا " عليه حتى قضوا عليه وعلى حصانه ، ولما وصل الخبر إلى الشعب خرج مسرعا وحطم كل تماثيل " كال يجولا " ومعها أيضا تماثيل أفراد عائلته وما بقي من تماثيل لقريبه  " نيرون " ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...