الجمعة، مارس 16، 2012

" الماسوشية " في عصر الدولة الأسدية





" الماسوشية "

في عصر الدولة الأسدية



هي نفسها " المازوخية " وهي كلمة تصف شخصية إنسانية موجودة في كل مكان وتعيش بيننا ، وهي نمط مألوف في المجتمعات الاستبدادية ، وتبدو اكثر وضوحاً وألفة في نُظم الدكتاتوريات الدموية البشعة على وجه التحديد ، وهنا المدخل الذي سأحاول أن ادخل منه لتسليط الضوء وكشف المصابين بها من " محللين وخبراء الإعلام السوري "   الذين كان لهم دور ما في تكوين قسم من الرأي العام سواء كان في الداخل أو الخارج . .. وكذلك الأمر ينسحب على المواليين والمؤيدين والتابعين  ..!

يعيش هذا النمط من الشخصية في حالة من الاضطراب النفسي ، تنعكس آثاره سلبا على سلوكياتها ، فتبدو هذه الشخصية لا مبالية حتى بأبسط حقوقها الإنسانية التي تتصل بالحرية والتحرر ، وذلك من خلال التقبل الإرادي لسيطرة الآخر الإنساني بلا مانع ، وقد يصل بها الأمر إلى حد التلذّذ بـ " الألم  " إذا ما واقع عليها، أيّ " التلذذ بالاضطهاد " عامةً ، وربما استعذاب تلقي الألم من الآخر ، في علاقة شاذة من التبعية الانقيادية والعبودية .


و" الخضوعية " هي التي عرفها علماء النفس على أنها مجموعة صفات غير سوية تنعكس بقبول الرضوخ لسيطرة الآخر والاعتياد على هذه السيطرة والاستمتاع من خلالها بالدونية التي تتكون لديه ..

إذاً " الماسوشية أو الخضوعية  "  بهذا المعنى الغريب والقاسي بعض الشيء ، تكون أقرب لتوصيف واقع المجتمع السوري ما قبل الثورة ، وتفسير لحالة " الموات الاجتماعي " التي كان يعيشها  ، والتي أنشأها بالجبر والقهر والظلم والاستبداد " حافظ الأسد " بعدما نشر ثقافتها لا بل فرضها فرضا في فترة حكمة على الشعب السوري ، حتى بدت وكأنها من ضمن أو لب مفهوم الولاء للوطن ، فهيكل ورتب أدواتها بشكل يخدم من بعده حكم ابنه ..!

بعد ما بدا يظهر لنا بعد مرور سنة من الثورة ، أن قسما كبيرا من السوريين لم يكن يدرك كم كانت تنطبق عليه مثل هذه الحالة البشعة وهذا الوصف قبل الخامس عشر من مارس الماضي .



فحالة " الماسوشية " هذه التي عاشها قسم كبير ، إن لم يكن جل الشعب السوري في الماضي القريب ، لم تكن إلا نتيجة طبيعية ومنطقية ، لوضع غير طبيعي وغير منطقي ، عملت على أنتاجه " سادية حكم " ندر مثيله في التاريخ الإنساني المكتوب ، من حيث قسوته المفرطة وحقده البشع على الشعب السوري ، وفقدانه لكل ما يتعلق بالقيم الأخلاقية والدينية في التعامل مع خصومه ، على فرض ان الشعب خصمه ..

إن هذه " السادية الدموية " في التعامل مع البشر في سورية ما كانت لتظهر بالأصل من شخص سوي ، على الاطلاق ..!!

وهذا ما سيقودنا إلى مسألة الانحراف السلوكي الذي اخرج هذه الشخصية " السادية الدموية " بهذا الشكل ، والذي يبدو انه نشأ من شعور صاحبه الأقلوي " حافظ الأسد " مؤسس هذا الحكم ، بالحقارة والسفالة والدونية  تجاه الأكثرية ذات النسيج المذهبي الواحد ، والذي كان يعلم هو وغيره أن هذا المكون دائما ما كان  متسامح مع البقية الباقية من مكونات المجتمع السوري ، ولم ينظر في أي يوم الى اكثريته على أنها نقطة قوة لصالحة على حساب الاخرين .!
وما كان هذا الأمر ليصبح غريبا لو ما وضعنا مسألة كونه من " أقل الأقلية "  التي كانت منبوذة اجتماعيا ، ومرفوضة عند الأقلية نفسها ، لكونه خالي تماما من كل ما له علاقة في الأعراف والشرائع الإنسانية .

من الواضح أن " حافظ الأسد " ما كان ليستمر في الحكم تلك الفترة من الزمن ، ويتمكن ابنه " بشار الأسد " من وراثته بكل سهولة وسلاسة وبلا اعتراض ، ويتولى السلطة ويسيطر على البلد بأدواته ومقدراته وإمكانياته من بعده ، لو لم يتم العمل بالترهيب الممنهج ، على ترسيخ حالة " الماسوشية " في نفس السوري ، والتي عمل تمهيداً لها على " تطبيع الناس على التبعية والخضوع والطاعة وعبادة الفرد " على مدى أربعة عقود من الزمن ، وهي بلا شك كانت مدة طويلة وكافية لإنتاج مثل ذلك الوضع "  الماسوشي  "  الأغرب في التاريخ السوري المعاصر .


وللتدليل أكثر على " الماسوشية "  أو الخنوعية السالف تعريفها تلك في المجتمع السوري اليكم بعض الأمثلة الواضحة على ذلك :
نجد على سبيل المثال ، أستاذ جامعي مجنون ومريض نفسيا ، لسانه ناقص وتسقط كثير من الاحرف في تعبيراته ، يقول في الأيام الأولى للثورة المعروفة الأسباب ، عن بقية الشعب السوري الذي تظاهر في كل المناطق ، أن هؤلاء المتظاهرين عصابات مسلحة ، يجب على الجيش والأمن أن يسحقهم سحقا ..!
يعني استمتاعه بالخنوع والذل الناتج عن حالة " الماسوشية " التي يعيشها ، دفعه لاظهار سخطه من عموم الشعب السوري  بهذه الفجاجة ، والتفوه بمثل هذا الكلام ..!


أيضاً .. نكتشف طبيب أسنان فاشل من نتاج المرحلة الأسدية ، أصبح محلل استراتيجي وينطبق عليه وصف "  ماسوشي  " بامتياز ، يقول :


" قتالهم - أي المتظاهرين من الشعب السوري - أولى من قتال الأعداء " ، وهو يعلم علم اليقين أن من ثار وتظاهر في سوريا ، هو سوريون أحبوا ويحبون وطنهم ويخلصون له ، ويسعون للمحافظة عليه ، ويملكون من الوعي الكثير وأكثر مما يتخيل الطبيب نفسه ، لكنه طبيب الأسنان حقد على عموم الشعب السوري .. لماذا يا ترى لأنه كسر حاجز الخوف الوهمي المصطنع ، وتمرد على العبودية والطاعة المهينة التي تسيطر على ذات الطبيب نفسه ، لاسيما وأن هذا السوري يقصده " رفض الطاعة المهينة التي يخضع لقواعدها الطبيب نفسه "  بينما الثائر الذي يقصده ثار بتلقائية لأنه على ما يبدو فهم المازوخية على حقيقتها أكثر منه ، واعتبر أن مثل هذه " الطاعة العمياء " تعتبر احد أهم مكونات الشخصية المازوخية التي يعيشها سواء كان يدري أم لا ، وهو أسير ومقيد لها ، ولا يستطيع الخلاص منها ، على الرغم من انتماءه إلى الطبقة المتعلمة والمثقفة من المجتمع السوري ، أو هكذا نفترض ...

وهناك آخر يدعى انه محلل سياسي استراتيجي ، ويتهم طفلا لم يتجاوز الرابعة عشر من العمر اسمه " حمزة الخطيب "  انه قُتل أثناء محاولته سبي النساء ، ولا ندرى أي منطق ينطبق على مثل هذا الكلام ، إلا إذا كان الموضوع مرتبط فقط بنفس المحلل المصاب بالحالة الماسوشية الموصوفة كما أسلفت ، تلك الحالة المبنية على الخوف من سقوط السلطة الحاكمة التي جعلته مطيعا منقادا محبوسا مسلوب الإرادة مرهوب من سراديب هيمنتها ، وزنازين سطوتها ، ولا يقوى بدونها من العيش في محيط صحي تكتنفه الحرية  ..

والأمر كذلك نجده بكامل الوضوح ، مع مسن خرفان ومعلول بلغ من العمر مبلغ ، ومن الخبرة مبلغ ، أن يقول بكل صفاقة ، " لن يسقط بشار الأسد أبدا حتى لو أشرقت الشمس من الغرب وغابت من الشرق " ، ويهذي آخر تحت تأثير نفس " الحالة  " ويقول : " أن الملائكة تنشق عن الله عز وجل ولكن الجيش السوري لا ينشق عن النظام "  ..

أخيرا .. ما تقدم هي محاولة للمقاربة مع نمط من أنماط الشخصية المنحرفة السلوك التي تُنشها الديكتاتوريات البشعة ، وربطها بالبيئة الاجتماعية والسياسية التي نشأت بها ، أتمنى أن أكون قد سلطت الضوء على ما يستحق التوقف عنده متمنيا دراسته بشكل أعمق  مع التحية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...