الخميس، نوفمبر 01، 2012

التشكيك


التشكيك
مهمة يؤديها الإعلام السوري بكل إتقان



في البداية لابد من الوقوف على ماهية التشكيك ، وفهمه فهما سليما ، فالتشكيك أو الدفع باتجاه الشك بالمناسبة يعتبر مذهب فلسفي ، تُفسر من خلاله حالة الوقوع بين التصديق والتكذيب ، وهو درجة منطقية ضرورية ، وربما تكون حتمية الحدوث عندما تخلو النفس من المقدمات المثبِتة لأحد البديلين " حقيقة أو خطأ " ، ويقوم على نظرية فحواها إقناع الآخر أو المتلقي بعكس ما يمكن أن تنقله له حواسه ، من ما يحيطه على ارض الواقع ، وإقناعه أيضا بأنه " أي الآخر إن كان قد تعّرف على ظاهر الحدث وبدا له بكامل الوضوح من خلال حواسه ، فانه لا يستطيع أن يعرف حقيقته الباطنية " ، طالما كان الحدث الواحد يظهر بمظاهر مختلفة ووجوه متعددة ، وربما زوايا متقاربة أو متباعدة ، فإنه من المتعذر عليه أن يعرف الصواب في ظل وجهات نظر ورؤى مختلفة .
 


لذلك دأبت السلطة الحاكمة في سوريا على استخدامه بشكل كبير واعتبارة اسلوب عمل قامت من خلاله بالتشكيك في كل الأحداث المنقولة عبر وسائل الإعلام العالمي بالصوت والصورة ، وادعائها المتواصل بأن كل ما تنشره هذه الوسائل ما هو إلا فبركات إعلامية ليس إلا ، ولأنها متخلفة في مجال الإعلام ، ولان الإعلام المرئي والمسموع والمقروء فيها يقع تحت إدارة وإشراف أفرع المخابرات ، فقد عملت على تكريس التشكيك وفق خطط ممنهجة ومدروسة ، وأعدت لهذا الغرض الخبراء والمتخصصين ، ونشرتهم في كل مفاصل جسم الإعلام السوري ومؤسساته ..


ولما كنا لا نستطيع التأكد من طبيعة أو حقيقة ما يحدث في أي موضوع ، لنتمكن من إصدار الحكم الصائب عليه ، فإن الأمر يقتضي الوقوف والامتناع عن أي عمل تجاهه ، والعيش في هدوء وطمأنينة ، متحررين من كل وهم أو ضلال .

وهذا ربما مؤشر يؤشر على أن مذهب التشكيك أو " الدفع باتجاه الشك " هو المذهب الوحيد ، الذي تبنته وتتبناه السلطة السورية الحاكمة في خطابها الإعلامي ،  لتدعو من خلاله علنا وبوضوح كل مكونات الشعب السوري إلى السلبية ، والهروب من أي تفاعل ممكن مع الأحداث الجارية في سوريا على وضوحها ، ودفعهم لعدم الاكتراث بها ، لما قد يسببه هذا التفاعل من تداعيات لا تحمد عقباها ، وبذلك هي تدفع باتجاه حالة من اللامبالاة لما يجري ، ما يؤدي بنا في النهاية إلى تصديق ادعاءاتها وأكاذيبها ، أو أن يقول واحدنا " لا يعنيني كل ما يجري في شيء ولا يهمني التدخل فيما لا يخصني " ، والمسألة في حقيقتها لا تعدو كونها " لعبة كبار ، أجندات خارجية ، مؤامرة كونية ، أدوات امبريالية  " على سوريا ..

وإيصالنا بالتالي إلى قناعة تجعل الكل يتساءل ما الداعي الذي يدعوني لإجهاد عقلي بسبر غور ما يجري وما فائدة التعرف على وهم الخفايا والأسرار ، التي لن توصلني إلى شيء  ..

إن مذهب التشكيك هذا ، ما هو إلا مرآة تعكس عجز السلطة عن اخماد الثورة بالقوة العسكرية ، وايضاً حالة القلق ، وعدم الاستقرار التي تنتاب " السلطة السياسة والأمنية الحاكمة " في ظل التطورات المتلاحقة والمتسارعة بوتيرة تتصاعد يوم بعد يوم ، لم تحسب لها الحساب الكافي لتدارك نتائجها الكارثية التي تتضح ربما ساعة بساعة  ، وخوفها الواضح من القادم ..

حيث نجد أن الأعلام السوري يقوم بهذه المهمة القذرة لأنه وُجد بالأصل للقيام بها ، وهي على قذارتها أساسية لديمومة واستمرار " النظام العائلي المافيوي الحاكم  "  والمرتبط عملياً بالحلف المذهبي الشعوبي المشبوه ، الخطير على العرب والعروبة ، وربما يكون الأخطر من بين التحديات التي تواجهها شعوبنا في هذا الوقت بالتحديد .

أخيراً لا بد من التأكيد على أن هذه المهمة ما كانت لتنجح هذا النجاح الملحوظ ، والذي ندفع  اليوم ثمن نتائجه علينا ، من دماء تُسفك في شوارع المدن والبلدات السورية ، لولا البيئة التي أوجدها وأشتغل عليها مؤسس " النظام العائلي " القائم الآن في دمشق ، الراحل " حافظ الأسد " ..

لقد اوجد المذكور حالة شاذة في المجتمع السوري من الثقافة التابعة والملوثة ، والفهم الناقص والمضطرب ، والتفكير المنحرف ، الذي استطاع مسح عقولنا وبرمجتها من جديد بما يريد ، وتطويع كافة الطاقات الفكرية والإبداعية للفرد السوري ، لدرجة أن صار الواحد منا كالمنّوم مغناطيسيا ، صامتا مطيعا منقادا وربما عاجزا ، وأوهمنا بأنه عملياً يتبنى أدواراً وأهدافا كبيرة وإستراتيجية في المنطقة ، محصلتها النهائية سترتد بشكل ايجابي ليس على سوريا فقط ، إنما أيضاً على المنطقة وشعوبها ، وعلى رأس هذه الأدوار والأهداف الاستراتيجي المزعومة مقاومة المشاريع الامبريالية في المنطقة ، الأمر الذي يتطلب منا كسوريين التضحية والطاعة والانقياد ، وصولا لهذا الهدف  ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...