الثلاثاء، يونيو 11، 2013

القبح لا تزينه المساحيق الرخيصة والفاسدة

القبح لا تزينه المساحيق الرخيصة والفاسدة


قرأت مقال للأستاذ إبراهيم الأمين في موقع جريدة الإخبار اللبنانية العدد ٢٠٢٤ يوم الاثنين ١٠ حزيران ٢٠١٣ تحت عنوان "  حزب الله والمشرق الجديد " ما من شك بان الأسلوب السلس الذي كُتب به هذا المقال ، وموقع كاتبه هما اللذان حفزاني على قراءته ، ولا أنكر أن كثير مما ذهب إليه الأستاذ إبراهيم الأمين ربما يكون منطقي ومقبول ، والحقيقة أنني استمتعت في قراءته جداً ، ولا أنكر ذلك ، لكني حينما وصلت لجملة من الجمل الأخيرة للمقال وهو أن حزب الله  " من شأنه القضاء على العقل التكفيري الذي يقوده آل سعود وأنسباؤه  " ..
توقفت قليلا وشعرت أن الأستاذ المحترم هبط عن مستوى الطرح الراقي الذي اتسم به المقال ، وكان واضحا من البداية لغاية هذه الجملة  ، ولا أستبعد أن يكون الجانب العقدي وربما تأثره بتقليد أحد مراجع المذهب في إيران هو ما جعله يهبط قليلاً عن المستوى الذي يجب أن يبقى به ..
بداية العقل التكفيري الجمعي غير موجود ، الموجود هو رد فعل على ظلم واقع على الناس ، ولجوء المظلوم إلى الدين لإزاحته عن كاهله ، وان وُجد عقلا تكفيرياً يحمله شخص هنا أو هناك في هذا الزمن فهو شاذ بالقطع وغير سوي ولا قيمة فعليه له ، أما إذا كان المقصود بالعقل التفكيري هو اتهام مذهبي بلا بينه ، فأنا أقول ليس هناك عقلاً تكفيريا أوضح من العقل التكفيري الذي وضع المادة الثانية عشرة في الدستور الإيراني ،  التي تقول أن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام و" المذهب الجعفري الاثنا عشر " ، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير ، فهو استثنى كل المذاهب واستبقى مذهبا بعينه ، والمطلع على فكر المذهب الحاكم في إيران " الأمامي الاثنا عشر " يدرك أن معتنقيه ينظرون للمسلمين المخالفين لهذا المذهب بأنهم ناصبه ، والناصبة ليس التكليف الشرعي يوجب تكفيرهم فقط ، بل حتى قتلهم واستباحة أعراضهم وأملاكهم ، ولذلك أقول أن كلمة " تكفيري "  هي مفردة دأب على استخدامها غير العربي عموماً ، أو بقايا مستحاثات الفكر القومي العربي ، وبعض العلمانيين المستغربين من العرب ، لأن العربي يعرف معناها جيداً ، وأكثر من غيره ، وإذا ما استخدمها يعرف أين وكيف تستخدم ..
لقد زاد من استخدام هذه المفردة في هذه المرحلة هم للأسف الشديد " فرس إيران المستنفرين مذهبيا " والتابعين لهم مذهبياً في المنطقة ، فهم يطلقونها بقصد تبرير ما تفعله مليشياتهم المذهبية الشيعية المنتشرة ، والعاملة بشكل واضح على تطهير مذهبي في كل مكان تتواجد فيه ، تحت نفس الحجة " مواجهة التكفيريين " وهم كما يعلم الجميع يقصدون من هذه التسمية " السنة " في المنطقة ، فمن يقاتل في كل المدن والبلدات والقرى السورية الثائرة على ظلم السلطة الحاكمة استحالة بالمعايير المنطقية أن يكونوا كلهم تكفيريين ..
أما إدخاله آل سعود بالموضوع وإظهارهم على أنهم مجموعة حاكمة غير مسئولة هدفها التخريب فهو أمر غير لائق ولا يجوز ، وبعيد كل البعد عن الواقعية ، ولا يمت بأي صلة مع الواقع ، فآل سعود صار لهم أكثر من مئة عام يحكمون المملكة وراثياً برضا ورغبة السعوديين ، وهم من اسسوا الدولة السعودية وفق المعايير الحديثة قبل أن تكون في المنطقة دول وكيانات سياسية مستقلة ، ثم أنه ليس لهم حزب مذهبي مثل حزب الله يشاكسون به خارج المملكة ، ولا عصائب مثل عصائب الحق المنشقة عن الصدر ، ولا فيالق مذهبية مثل فيلق القدس أو بدر ، وليس لهم " حرس ثوري سعودي "  يعمل خارج السعودية لنشر التخريب والإرهاب في العالم ..
كم كنت أتمنى أن أسأل الأستاذ إبراهيم الأمين " بيني وبينه " إن كان هو فعلاً مقتنع من أن هناك تكفيريين في مدينة " القصير " السورية يواجههم حزب الله ، خصوصا وانه كاتب مثقف ومضطلع ويعلم أكثر من غيره أن موضوع التكفيريين هو إنتاج مخابراتي سوري إيراني ، سواء كانوا جبهة النصرة أو غيرها ، وقصة " أحمد أبو عدس " أعتقد أنه يعرفها جيدا ، و " جماعة شاكر العبسي " كذلك ،  وكيف تم استخدام الكثير من " التكفيريين " في العراق بقصد إفشال المشروع الأمريكي فيه ومنع أي تحول ديمقراطي يتمدد في المنطقة ، ولو بدم الأبرياء من العراقيين ..
أخيراً ،  وعلى فرض أن هناك تكفيريين ، ما الذي فعله هؤلاء التكفيريون في لبنان أو مع اللبنانيين أو لحزب الله و " بيئته " لغاية اليوم حتى يصبحوا أعداء ، ثم هل إذا قال أحدنا عن مجموعة إسلامية لا يعجبه فكرها أنها تكفيرية ، صار من الوجب قتالها ..!؟
أنا أقدر حرصه الشديد وأتفهم محاولته توضيح ما يعتقد أن سوء فهم حصل في المنطقة لحقيقة حزب الله ، ولكن للأسف بدا لي هو ومحاولته غير مقنعين ، فهو يعلم قبل غيره أن الحزب هو " حزب مذهبي " سواء أقر بذلك أم أنكر ، أوجدته " مذهبية إيران " لخدمة أغراضها التوسعية في المنطقة ، ولأن ما بني على خطأ هو خطأ ، فقد كشف اليوم حقيقته بنفسه ، وبعثر كل أرثه ، إذا كان له بالأصل ارث ، بعدما تحول إلى ميليشيا مسلحة قاتلة تقتل المدنيين في لبنان وسوريا ، لذا نتمنى عليه أن لا يحاول وضع مساحيق تجميلية على القبح ، فالقبح لا تزينه المساحيق الرخيصة والفاسدة ..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...