الأربعاء، يناير 02، 2013

جعلتموني سنياً


" جعلتموني سنياً "



لا يمكن لأي متابع محايد ، أو مراقب منصف ، يرى بأم عينيه ما يجري في سوريا المنكوبة اليوم من قتل وتدمير ، إلا وأن يقر ويعترف بأننا أمام حالة من الاستهداف الواضح والمتعمد مكتملة المعالم لمكون الأكثرية السوري من المسلمين السنة ، ومن يقوم بهذا الاستهداف مجموعات منظمة تابعة أو مرتبطة بمكون طائفي أقلوي ، محصور القيادة في " الطائفة العلوية " ، وهذا المكون هو نفسه الذي يتحكم بكل مقدرات الدولة وثرواتها وامكانياتها ، بعد أن عسكر نفسه ، في مجتمع متعدد الطوائف ، والمذاهب ، والأديان ، وهي ربما أول واغرب حالة من نوعها لاستيلاء أقلية طائفية على سلطة في بلد أكثريته مختلفة عنها ، وإقامة نظام طائفي خاص بها  ، وبالقوة المستترة بدستور شكلي ، وقوانين لا تطبق على أبناءها - وأقصد الطائفة - ،  وسياسة خارجية تتبنى ظاهريا رعاية قضية العرب المركزية " الفلسطينية " ..!

والغرض بطبيعة الحال من تتبنى قضية العرب المركزية هو شراء سكوت البقية عن اغتصاب الأقلية لحق سائر مكونات المجتمع في المشاركة في القرار والسلطة ، ساندها بكل إمكانياته من الخارج ذلك " الحلف المافياوي المذهبي " الذي باتت بشاعته اليوم مكشوفة ومعروفة للجميع ، مع أنه بشع منذ أن تكّون ..!
وذلك من خلال قناعتنا بكراهيته الموصوفة للعرب بشكل عام ، ولمن هم في أرض " الشام الأموية " بشكل خاص ، وهذه حقيقة لا بد من تأكيدها وعرضها في هذا السياق والبناء عليها ، وإن كانت مُرة ..!

قد أكون على صواب ومحقا إلى حد كبير لو قلت بأنه لا يمكن لي بأي حال من الأحوال أن أذهب في وصفي لهذه الحالة القائمة اليوم إلى أمر مخالف أو خارج حدود هذا التوصيف ، ولا يمكن لأحد غيري - منصف - إلا وصفها بهذا الوصف ، لأنها واضحة وضوح الشمس في تموز ، وهي حالة فاقعة جدا من " الاستهداف المتعمد والأبشع للمكون السني في هذه المنطقة " الذي قام بهذه الثورة المجيدة وسبب باستمراريتها ..!

للأسف كما ذكرت أن رأس الحربة في استهداف " السنة " في سوريا ، هي سلطة الدولة السورية القائمة اليوم نفسها ، التي تعتبر نفسها بعيدة كل البعد عن الطائفية ، وتتهم الأكثرية بالطائفية ، بينما تتكّون نواتها الصلبة ، وعمودها الفقري ، وصّناع القرار فيها من المنتمين للأقلية المنبوذة من الطائفة العلوية نفسها ، وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن ما تفعله يحظى برضى وقبول وموافقة كل مكونات الطائفة العلوية ..!

على الإطلاق ، إنما أذكر المسألة كما هي للتوصيف فقط ، وبالمسميات والمفردات المعروفة للقريب والبعيد ، وللسوري وغير السوري حتى تكتمل الصورة ..!

في كل الأحوال ، وكسلطة حاكمة أرى أنها بصرف النظر من أي مكّون جاءت هي مسئولة أمام الشعب السوري بكل مكوناته ، ولابد أن يقع عليها مسئولية حماية مكونات المجتمع السوري بكل أنواعه وانتماءاته ، ومسئوليتها تبدأ من عدالتها في التعامل مع الجميع بقدر المستطاع ، وأن تسعى الى أن لا يُظلم مكون من مكوناته ، تحت أي ظرف ، ولأي سبب كان ..!

الحقيقة المسكوت عنها أن " الأكثرية السنية " هي اليوم واقعة في مرمى الاستهداف ، وهي بالطبع التي تكّون أكثرية المجتمع السوري ، وهذه حقيقة ربما لا يخالفني عليها أحد ، فعلى الرغم من اعتراف القاصي والداني بأنها فعلا هي أكثر وأكبر مكون من مكونات النسيج الاجتماعي في سوريا ، إلا أن الجميع سواء من كان منه في الخارج أو الداخل يصر على اعتبارنا طائفة كبقية الطوائف سواء كان إصراره عن قصد أو بغير قصد ، متناسيا العدد والنسبة  ، بينما واقع الأمر ، وربما التسمية الأدق التي يُفترض أن تُطلق علينا هي تسمية " امة " ، أو " الأمة " ، وهذا لا يفضلنا عن البقية ، ويقلل من شأن الآخرين ، فـ " الأمة المستطيفة " هذه ، مهما كانت المحاولات قوية لتحقيرها ، تبقى " امة " عظيمة بعظمة ارثها الحضاري ، وهي التي كانت ومازالت تحمل لسوريا الوطن تاريخه وحاضرة ، وستحمل أيضا مستقبله ، أما تسمية الطائفة بالمناسبة ، هي تسمية تُطلق على الأقليات بأنواعها التي تعيش مع المكون الاجتماعي الأكبر ،  ولا أدري هنا إن كان المراد من تسميتنا " طائفة " هو النيل منا وتصغيرنا وإهمالنا أم لا ..!؟

أما ثورتنا وعلاقتها بالأقليات .. يبدو لي أن زعامات أو مرجعيات الأقليات بكل أنواعها وانتماءاتها ، وربما على رأسها الطائفة العلوية ، لعبت دوراً سلبياً في تخويف التابعين لهم ، ومنعت أي تفاعل ايجابي مع الحراك الثوري السوري منذ بداياته الأولى في درعا ، والتي كما يعلمها القاصي والداني بأنها ما كانت إلا تظاهرة احتجاجية مطلبيه بسيطة لا تخص مكون بعينه ، ولا علاقة لها لا بدين ولا بقومية ، بينما الذي حصل على أرض الواقع أنها اعُتبرت منذ اليوم الاول طائفية بامتياز ، لا بل أصبح كل من ناصرها أو أيد هذا الحراك المطلبي هو بالضرورة طائفي ، وطائفي " سني " حصرا  ، وهذا ربما ليس بغريب لو استحضرنا تحالف تلك المرجعيات " الأقلوية " مصلحياً مع السلطة ..

ان السلطة الحاكمة تمكنت من شراء ولاء بعض انتهازيي الطوائف ، والطائفة العلوية ليست استثناء ، والتي على ما يبدو أن قيادة " آل الأسد "  لها .. وتزّعمها .. عمل على انجاح تزييف وعيها ، من خلال ضرب نخبها السياسية والثقافية عبر عقود الطغيان والإفساد والانتفاع ، وإلحاقها بشكل أو بآخر بمؤسساتها العسكرية والأمنية ، التي كما أسلفت نواتها الصلبة ، وذلك بسبب الفقر أو ربما غياب التنمية الحقيقية في مناطقهم .

سنقبل هذه التسمية ونعتبر حالنا " طائفة " كالبقية ونتجاوز هذه الأمر الشكلي ، خصوصا أننا نحن اليوم كـ " طائفة سنية " ربما نتجاوز العشرين مليون نسمة تتصل بأكثر من مليار ونصف في كل أنحاء المعمورة ..

على الرغم من أن مظلوميتنا واضحة ، وربما لا يشك بها أحد ، إلا أن هذه الأقليات مازالت تخاف منا أو هكذا يبدو الأمر لنا ، بالرغم من أننا نحن الذين نُقتل ونسحق وتُدمر بيوتنا وتُنتهك أعراضنا ، فلا نرى الكثير من بقية المكونات السورية من يتعاطف مع معاناتنا ، ولا نجد من  يُحرجه الانحياز الطائفي الواضح للسلطة بشكل علني ، ويبرر  هذا الموقف بالخوف من مرحلة ما بعد سقوط هذه السلطة التي يرأسها بشار الأسد ، ويروّج بشكل متعمد عن حملة انتقام منظم لمجازر ومذابح مفترضة سترتكبها الاكثرية السنية بحق الأقليات ، وهذا خطأ ..!
وهم مخطئون لا بل كاذبون بدون أدنى شك ، فهل من عاش الظلم وعايشه ، ولديه شيء من الأخلاق فضلا عن كوننا نحن مسلمون ، يقبل بوقوع الظلم على غيره من أبناء بلده ..!؟

بالقطع .. لا .. ومليون ..لا ..!

إذا ما هي مبررات الخوف ، هل هي المحاسبة ، فإذا كانت المحاسبة هي مبعث الخوف فليطمئن الجميع المحاسبة قادمة ، لكن ليس على أسس دينية أو عرقية ، أو المعارضة أو التأييد أو حتى الرأي أبدا .. !

إنما ستكون محاسبة وفق القوانين ، ولمن تلطخت أيديهم بالدماء ، أو من ساند وغطى وساهم في نزيف الدم السوري البريء من كل المكونات وعلى رأسهم من هم من " الطائفة السنية " ، والبداية في هذه المحاكمات القانونية ، ستكون لمن ينتمون للمكون السني قبل غيرهم ، ممن أساءوا لهذا البلد وشعبه ، وقد يكون القاضي في المحكمة علوي أو درزي أو مسيحي لا فرق ، المهم أن يكون عادلا وأن يكون القضاء حرا وأن يأخذ العدل مجراه بلا تحيز ولا انتقام ..!

أخيرا نتمنى أن لا تستمر قضيتنا معزولة عن بقية المكونات الاجتماعية السورية ، خصوصا ان ما نطالب به من مطالب لا تخصنا لوحدنا ، إنما هي مطالب الجميع ، ونحن جميعا في الهم والبلاء سواء ، وهذه السلطة لن تستثني أحد لو نجحت لا قدر الله في اخماد ثورتنا ، وسيتضرر ، لا بل سيُحتقر منا الموالي لها قبل المعارض ..

في كل الاحوال إذا ما استمرت قضيتنا تلف وتدور في دائرة مفرغة من التشكيك ، واللوم كل اللوم ملقى على عاتقنا حتى ينطبق المثل القائل " عنزة ولو طارت " ، عندها لا يجوز لأحد كائن من كان بعد ذلك ، أن يلوم " سنياً "  منا لو تطرف مذهبيا ، وعادى البقية ، وكفر بكل القيم الانسانية ، ولعن المجتمع البشري من قطبه لقطبه ، وبات العاقل فينا والعلماني واللبرالي وحتى الشيوعي ، وربما الملحد من أبناء هذه " الأمة المستَطيَفه "  يصرخ ويقول أنا سني ..الا لعنة الله عليكم .. لقد " جعلتموني سنيا " ..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...