الجمعة، يناير 04، 2013

نسورنا البواسل

نسورنا البواسل
باتوا
غربان الأسد

 
ربما أتفهم ردة فعل الجندي أو العسكري العادي ، التي قد تكون ثأرية بعض الأحيان ، وربما انتقامية عنيفة في غالب الأحيان أثناء احتدام المعارك ، أو في مواجهة بينه وبين طرف آخر يتقاتل معه ، وفي ساحة معركة مفروضة ، والمعادلة بينهما باتت صفرية " إما قاتل أو مقتول " ، أو حينما يُقتل صاحبة أو زميله ، وربما صديقة أو أخوه إلى جانبه ، ويسقط مضرجا بالدماء ، عندها قد لا استبعد أي ردة فعل ، أو سلوك غير طبيعي يقوم بها هذا أو ذاك الجندي أو العسكري أو المقاتل ساعتها ، وغالبا ما تتم هكذا أمور ..
لكن وبالرغم من استنكاري الشخصي وبشكل عام لكل ردة فعل تبدو انتقامية ، ورفضي القاطع لمثلها رفضا قاطعاً ، خصوصا إذا ما جاءت متأخرة بعض الشيء ، وطالت أشخاص أبرياء ، لا علاقة لهم في فيما جرى ويجري من قريب أو بعيد ، لكني لا بد وأن اقر بإمكانية حصولها ، كما أنني لا أستبعد ردة فعل قد تصدر مني تكون مشابهه لو كنت في موقعه وحاله ، فقد أقوم بما يقوم به فيما لو وضعت نفسي مكانه ، قد نختلف عن بعض بالدرجة ، بحسب ما تنقله لي حواسي ، وتقيمي للموقف حينئذٍ  ، ومدى تفاعلي معه ..

يبقى التأكيد هنا على أن ساحة المعركة فيها أشياء مختلفة كل الاختلاف عن الوصف ، وربما نجهل الكثير عنها ، وقد لا يربطها بقواعد التنظير هذا رابط ، والخوض في كلام عام ونظري ، ومن مكان امن بعيدا عن معاناة المعانين ربما يكون الأسهل في هذا الموضوع ..

لكني بكل أمانة لا أستطيع أن أتصور ماهية تلك الكائنات البشرية ، التي تقود تلك الطائرات الحربية اليوم في سمائنا وهي محملة بالموت والدمار ، هذا إن كانوا هم من صنف البشر أصلاً ، ليرموا بما تحمله طائراتهم على مناطق آهلة بالسكان المدنيين من أبناء وطنهم ، وهم أو أكثرهم يعي تماما هذه الحقيقة ، وما الأهداف والمواقع المرسلون إليها كي يدمروها على من فيها بقنابل صماء لن تطال إلا البسطاء والأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ إلا مناطق سورية ، وهي بعيدة كل البعد عن أرض عدو مُفترض في كل الأحوال ، إذاً  هي ارض سورية ، كان لوقت قصير يشعر قاطنوها بالفخر حينما كانوا يسمعون هدير تلك الطائرات في سمائهم ، ويستشعرون ثقة عالية بقادتها حينما يوصفون بوصف " النسور البواسل " ..!!
 
فهؤلاء " البواسل " بحسب ما يُفترض أن يكونوا عليه ، هم أناس أسوياء ذوو أخلاق عالية ومميزة ، وهم من المُفترض أنهم كنسور للجو تعلموا وتدربوا ليقوموا بمهام أساسها حماية الوطن والشعب ومقدراتهما  من أي اعتداء ، وهم ليسوا جهلاء بهذا الأمر ..

هم يعلمون بأنهم  ليسوا من هذا الشعب فقط ، بل رواتبهم التي يقبضونها كل شهر هي من الضريبة التي يدفعها هذا الشعب من لقمة عيشه ، وهم بالقطع أعلم من غيرهم بذلك ، وهم كذلك اخبر مني ومن غيري ، بأن السلطة التي كلفتهم بمثل تلك المهام  ، وأرسلتهم للقصف ورمي حمولاتهم من القنابل على مواقع بعينها ، لن تكون تلك الحمولة من القنابل المدمرة بالدقة الكافية التي يمكن أن تستثني الأبرياء من هذا الشعب ، على فرض أن جزء من هذا الشعب مجرم  ، بالتالي لن تصطاد واحدا من هؤلاء المنتمين منه للعصابات المسلحة المزعومة ، لان مواجهة العصابات الإرهابية المسلحة لا تتم بأي حال من الأحوال بالقصف الجوي ، ولا علاقة " لنسورنا البواسل " بمواجهتهم ..

لكن ومع ذلك سأسمح لنفسي بأن استبدل تسمية نسورنا البواسل بـ  " غربان الأسد " لأنهم لا يستحقون التسمية الأولى ، وأن أُصنفهم إلى صنفين ، الأول إما أنه صنف طائفي حاقد وقاتل ، أو معتوه ومخبول ولا يدري حجم ما تقترف يداه ، وهو بالتالي قريب الشبه " برئيسه الأرعن "  الذي كلفه بمثل هذه المهام القذرة ، أو انه مخدّر تماما ، كي لا يشعر بالذنب والأسف ويستذكر شيء من إنسانيته ..!!

الصنف الثاني من " غربان الأسد " هؤلاء الذين يقودون الطائرات الحربية ويقومون بالقصف على المدن والبلدات السورية ، هم من بلد وجنسية مختلفة ، وربما لا يمتّون بصلة لسوريا الوطن ولا الشعب بصلة .

وهذا أمر غير مستبعد ، فقد يكونوا ممن استقدموا من بلدان الدول الداعمة للسلطة الحاكمة ، ليؤدي واحدهم عملاً تم تكليفه به ،  بمقابل مادي معلوم ، ودور رُسم له يندرج في إطار الدعم والمساندة للسلطة القاتلة في سوريا ، فلا هو يعرف ما يقصف ، ولا أين يرمي حمولته القاتلة ، فكل ما لديه هي إحداثيات ومهمة مرقمة ، ووقت محدد للتنفيذ ومن ثم العودة لمهمة جديدة .

لذلك لا يمكن أن يكون هؤلاء الذين يجوبون سماءنا السورية اليوم بطائراتهم التي تجلب الرعب والقتل والدمار لنا من شعبنا ، ولا هم " نسورنا البواسل " الذين احتفظنا لهم بذاكرتنا أنقى وأجمل الصور ، وفي قلوبنا كل الحب والتقدير ، والأكيد أنهم من غير السوريين ، ولا حتى من العرب ، وربما واحدهم لا ديانة له ، ولا يعرف شيئا من أخلاق البشر ، لأنه لو كان يرتبط بأي شيء مما ذكرت ، فلن يفعل ما يفعله اليوم  ، ولوجدنا  منهم من فيه شيء من ضمير ، ولتخيل آخر في لحظة ما بينه وبين نفسه ، أن قصفه هذا ، ربما طال أحدا ممن يعرفهم أو التقى به مرة ، أو فردا من أقرباءه تواجد بالصدفة في هذا المكان ، ولن أقول من أهله ، لأنه بالقطع هو " لقيط ، وابن حرام " لا يعرف من هم أهله ..

أمام ما تقدم .. نسأل " غربان الأسد " هؤلاء .. الذين يقودون طائرات الموت التي تدمر اليوم بشكل ممنهج كل ما في سوريا من البشر والشجر والحجر ، ومن شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها  ، هل تصدقون أن أحدا منهم هو " ابن حلال "  وله أب وأم وأسرة تعيش مع الشعب السوري في هذا الجحيم ، ويقبل تنفيذ أوامر القتل التي تُعطى له ..!؟
ألا تخطر بباله مرة مثل هذه الخواطر ، ألا يشعر بالندم ..!؟
ثم هل أن له حواس خمسة كبقية البشر ، وتعمل كلها بشكل سليم ..!؟
الأكيد لا .. وبشكل مطلق ..!!
ببساطة شديدة لان هؤلاء " الغربان " إن كانوا نتاج سوري ،  فهم بالقطع " لقطاء " ونتاج مرحلة سوداء من مراحل التاريخ الأسود لسوريا ، ومثل هؤلاء يجعلنا نفكر بشكل جدي ، للعمل على دراسة نفسيتهم وطريقة تفكيرهم ، لفهم كيف يتم تدمير البُنى النفسية للإنسان ، وكيفية تخريبها في النظم الديكتاتورية ، وبذلك ربما نكون قد قدمنا خدمة للبشرية ، يمكن من خلالها المحافظة على الحضارة من التدمير على أيدي هكذا بشر مستنسخة عن مجرمين عتاة ، أو مغسولة الأدمغة ، وان لم يكن لدينا القدرة على إعادة تأهيل أمثالهم من جديد ، وإصلاح مفاهيمهم المشوهة ومعالجتهم نفسيا مما هم فيه ، فليكن عزلهم وإبعادهم ، وربما إذا ما اقتضى الأمر استئصالهم ، فنحن بصراحة كنا بهم جهلاء ، فهؤلاء لم يكونوا لا نسور جو بواسل ولا غيره ، هم كانوا وسيبقون " غربان الأسد " واحدهم نذير شؤم ...

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مختصر مفيد.. اعتقد أن الشعب السوري بات يدرك أن " نظامه الحاكم " بشكله وتركيبته التي عُرف بها قد أنتهى، وأن ما تبقى منه على الارض...